11/11 فشل أم نجح؟

14 نوفمبر 2016
+ الخط -
لم يختلف كثيراً يوم الجمعة الماضي (11 /11) عن أي يوم عطلة في حياة المصريين. وخلت معظم الشوارع من المارّة. تم رفع درجة الاستعداد الأمني. لكن، ليس إلى حالة الاستنفار القصوى، إلا في نقاط محددة، وعند مداخل المدن والطرق الرئيسية. الأعداد التي نزلت للتظاهر هي نفسها التي تخرج بانتظام في أحياء شعبية وقرى صغيرة منذ عامين تقريباً.
لم يكن 11/11 يوماً كارثياً، كما كان يحذر الإعلام الموالي، ولا يوماً ثورياً مفصلياً كما كان يروج أو يتمنى الإعلام المعارض. فقد ولدت الدعوة إلى "ثورة الغلابة" لقيطةً مجهولة النسب، وأثار الاهتمام الزائد بها من الإعلام الرسمي والموالي علامات استفهام كثيرة. والواقع أن أحداً لم يتوقع لهذا اليوم نجاحاً افتقد مقوماته وشروطه، ربما باستثناء تمنيات بعض الحالمين بثورةٍ تهبط من السماء.
يرجع هذا المصير المتوقع إلى حزمتين من الأسباب والعوامل. تتعلق الأولى باليوم نفسه، وتحضيراته والملابسات التي أحاطت بالدعوة إلى "ثورة الغلابة". وتتعلق الحزمة الثانية بالنطاق الأوسع، أي السياق العام للوضع في مصر، وما إذا كانت آلية الحشد الطريقة الأنسب للتعاطي معه.
في ما يتعلق بالدعوة إلى "ثورة الغلابة"، أحاطها غموضٌ، بدءاً بمصدرها والجهة الداعية لها، مروراً بأهدافها ومطالبها. إذ لم تعلن لها مطالب ولا شعارات. ولم يكن واضحاً بالضبط الهدف الذي تسعى "ثورة الغلابة" إلى تحقيقه. هل، مثلاً، إسقاط النظام؟ أم إجباره على تقديم تنازلاتٍ معينة؟ أم فقط إعلان أن في مصر "غلابة" يعانون؟ من مُجريات اليوم نفسه، كان واضحاً أن "الغلابة" لم يثوروا، وأن العملية برمتها ليست سوى فقاعة بلا مضمون. سواء كان صاحبها هو النظام (أو ركن منه) لأهدافٍ خاصة به، أو قوى معارضة تريد استهلاك قوة النظام في حرب استنزافٍ طويلةٍ متعدّدة المراحل.
في السياق الأوسع، لم يقدم 11 نوفمبر جديداً لتأكيد عدم جدوى آلية الحشد في الشارع وحدها، بقدر ما كان نتاجاً لاقتناع مختلف القوى الاجتماعية والسياسية بذلك. بما فيها التي يخرج أنصارها فقط لإثبات الوجود، بعد أن أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن التعبئة الجماهيرية في الشارع والتظاهرات فقدت تأثيرها، وصارت خسائرها أعلى كثيراً من مكاسبها.
لا مجال للحكم على يوم 11/11 بالفشل، أو أن "ثورة الغلابة" أُجهضت. فهي لم تقم أصلاً، و"اليوم" لم يُخَطط له ليكون يوماً ثورياً بحق. وأي طرفٍ يظن أنه خرج من ذلك اليوم بلا خسائر فهو واهم. فحتى إن كانت الدعوة مُدبرةً من السلطة، لتثبيط الهمم، أو تجربة أمنية اختبارية، النتيجة هي عودة شبح النزول إلى الشارع خياراً قائماً وقابلاً للتنفيذ، إذا توفرت بقية شروطه. ولو كانت الدعوة حقيقيةً، ثم يخرج رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، قائلاً إن "الشعب المصري اختار الاستقرار والتنمية، ورفض أي دعوات تخالف ذلك"، فلا معنى لذلك سوى أن السلطة تخدع نفسها، وتتوهم أن عدم النزول إلى الشارع يمنح شرعيةً، وأن الخوف من القتل أو الاعتقال يعني الاستقرار والتنمية!
في المقابل، خيب 11/11 آمال من راهنوا عليه في تفجير حراكٍ شعبي واسع، أو حتى توصيل رسالةٍ واضحةٍ مباشرةٍ للنظام إن الشعب يرفض تحمل أعباء سياساته الفاشلة ونتائجها. وليست هذه الخسارة الوحيدة لذلك التيار، فمع نهاية يوم الجمعة الماضي، تأكّد ضعف الآلة الإعلامية المناوئة للسلطة، ليس فقط في إقناع المصريين بالنزول والاحتشاد، لكن في الأهم، وهو توعية "الغلابة"، بل وجذبهم لمتابعتها أساساً.
11/11 لم ينجح ولم يفشل ولم ينته. وسيتحدّد مآله النهائي حسب قدرة كل طرف على الفعل والعمل، وليس على الإيهام أو الأحلام.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.