يتوجه الموريتانيون، اليوم السبت، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس جديد لهم خلفا لمحمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته. وبعد 15 يوماً من صراع البرامج والحملات الانتخابية في 12 ولاية موريتانية و36 مقاطعة، سيحاول الموريتانيون حسم خياراتهم من الجولة الأولى بين 6 متنافسين، وهم مرشح حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم ووزير الدفاع السابق محمد ولد الغزواني، وبين مرشح المعارضة، رئيس الحكومة الأسبق المدعوم من الإسلاميين، سيدي محمد ولد بوبكر، وهما المرشحان الأوفر حظاً من ضمن ستة مرشحين يوجد على رأسهم، محمد ولد مولود، المعارض التاريخي، ومرشح ائتلاف قوى التغيير، ورئيس حزب اتحاد قوى التقدم.
ويأمل 1.5 مليون موريتاني، يحق لهم الاقتراع، في تطبيق شعار التنمية على أرض الواقع، وهو الشعار الذي اتفق عليه المرشحون الستة، الذين تفاوتت مقاربتهم السياسية والاجتماعية لتحقيق موريتانيا اليوم والغد، وترجمة أحلام الشريحة الواسعة من الشباب، في بلد يعرف تنوعاً عرقياً كبيراً. وفي هذا الإطار، أكد ولد سيدي أحمد، وهو أحد مراقبي الانتخابات المحليين وعمل سابقاً في السلك الدبلوماسي، أن الهدف اليوم أمام جميع الموريتانيين هو إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الآليات القانونية موجودة، خصوصاً ما يتعلق بما قامت به اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، التي عملت طيلة الفترات الانتخابية السابقة في البلاد على تطوير الأداء القانوني وتقوية جهاز الرقابة، ونقل عملها من دور شكلي إلى رقابي يتمتع بالأدوات القانونية كافة". وقال إن "تمثل أغلبية القوى السياسية في اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وتمتعها بالخبراء جعلها في مستوى التحديات في العمليات الانتخابية التي عرفتها موريتانيا أخيراً، وفي حالة جهوزية بالنسبة إلى موعد 22 يونيو/حزيران". وأعلن المسؤول الإعلامي في اللجنة محمد يحيى أحمدناه، من جهته، أن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أنهت استعداداتها للانتخابات، مؤكداً جهوزية مكاتب التصويت لاستقبال المقترعين اليوم السبت، واستكمال الإجراءات حتى تمر العملية الانتخابية في ظروف مناسبة.
مشهد سياسي معقد
ويبدو المشهد السياسي في موريتانيا معقداً جداً، فهو من جهة محكوم بالتحالفات التي نسجتها الأغلبية الحكومية الحالية، ومن جهة أخرى مبني على خلافات الماضي التي تتحكم بالحاضر. فالمعارضة التقليدية التي يقودها ولد مولود كانت على النقيض مع ائتلاف الأحزاب الحاكمة، في حين لم تجد الأطراف والأحزاب والكيانات السياسية الأخرى، من قبيل المرشح للرئاسة رئيس حركة "إيرا" الحقوقية غير المرخصة بيرام ولد أعبيدي، غير الاعتماد على الخلفية الحقوقية والترويج لخطاب الزنوجة ليجد موطئ قدم بين أبناء جلدته من زنوج موريتانيا. وهو نفس الخطاب الذي يحمله الصحافي والمرشح الآخر للرئاسة كان حاميدو بابا، الذي اعتمد لغة سياسية تتبنى الدفاع عن المناطق المهمشة، خصوصاً تلك التي تتكلم اللغة البولارية في الولايات المتاخمة للسنغال، وهي مناطق جغرافية واسعة جداً. لذلك كان من الطبيعي أن يتأثر المشهد السياسي في موريتانيا بهذا المكون اللغوي الغني، لكنه يعكس في عمقه الصعوبة الكبيرة التي تواجه كل طامح لكرسي الرئاسة في هذا البلد الغني بالأعراق والمتنوع الثقافات. وعلى الرغم من أن ولد الغزواني يقدم مقاربة اقتصادية للإجابة عن الاختلاف بين الولايات الموريتانية، فإن هناك تحديات كبيرة أمامه، بينها عدم نجاعة المقاربة الاقتصادية التي لا تنظر إلى موريتانيا في سياق شمولي.
وفي هذا الإطار تبدو الفرصة سانحة، حسب أحد العارفين بالمشهد السياسي الموريتاني، لولد بوبكر الذي خبر الملفات الحارقة في البلد، والذي استطاع أن ينسج علاقات مع أحزاب المعارضة، خصوصا "تواصل" الإسلامي، الذي يعتبر خزاناً انتخابياً مهماً، وحاضنة شعبية كبيرة، لا شك في أنه سيكون لها أبلغ الأثر في النتائج النهائية للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، وربما تقلب الطاولة على ولد الغزواني، الحالم بالمرور من الدور الأول، وتدفعه إلى الدور الثاني، ما سيشكل تحولاً جذرياً في التحالفات الانتخابية، وسيفتح مسار التشويق للوصول إلى كرسي الرئاسية، كما حدث في انتخابات عام 2007، والتي لجأ فيها الطرفان المتصارعان، أحمد ولد داده، الزعيم التقليدي للمعارضة، وشقيق الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داده، ومرشح الجيش سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي آلت الرئاسة إليه، ليجري الانقلاب عليه بعد ذلك من قبل ولد عبدالعزيز وولد الغزواني.
وقال مصدر، لـ "العربي الجديد"، إن مجرد مرور المرشحين الرئاسيين، ولد الغزواني وولد بوبكر إلى الجولة الثانية، إعلان عن إعادة تشكل المشهد السياسي والانتخابي في موريتانيا، ما سيوفر حظوظاً أكبر أمام ولد بوبكر، الذي وعدته أحزاب المعارضة بالالتفاف حوله إذا مرّ إلى الدور الثاني. واعتبر المصدر أن "هذا أسلوب حذر من أحزاب المعارضة التي اكتوت بنيران تجارب سياسية سابقة، إذ كانت تجد نفسها ضحية للرمال المتحركة للحياة السياسية في البلاد، الخاضعة للولاء المطلق للقبيلة مقابل الحزب، وهذا أحد أعطاب المشهد السياسي في موريتانيا، كما هو الحال في عدد من البلدان العربية". لكن مساندة "تواصل" الإسلامي، ثاني قوة سياسية في البرلمان ويترأس عدداً من البلديات لولد بوبكر، يمكن أن يشكل فرقاً. غير أن انقسام المعارضة الموريتانية، وترشح ولد مولود، المدعوم من تكتل قوى الديمقراطية، أعرق أحزاب المعارضة، يمكن أن يساعد في تشتيت أصوات الناخبين، والحاضنة الاجتماعية لليسار الموريتاني، ما قد يضيع الفرصة على ولد بوبكر وولد مولود معاً، بعد فشل المعارضة في الاتفاق على مرشح موحد في المرحلة الأول.
أهم ما طرحه المرشحون
تفاوتت الطروحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمرشحين الستة لرئاسة موريتانيا، محمد ولد الغزواني، وسيدي محمد ولد بوبكر، ومحمد ولد مولود، وبيرام ولد أعبيدي، وكان حاميدو بابا، ومحمد الأمين ولد الوافي. وفي حين شدد ولد الغزواني على ضرورة بناء دولة تحمي أراضيها عبر مواجهة التحديات الأمنية، فقد أكد ولد بوبكر ضرورة إبعاد الجيش عن السياسة، والوصول إلى قضاء مستقل ونزيه، وتأسيس عقد اجتماعي مبني على القيم الإسلامية ومقتضيات العدالة الاجتماعية، ومواجهة المخاطر القبلية وإعادة توزيع الثروة وتأمين العمل للشباب، والقطع مع الفساد والعبودية والتفاوت الاجتماعي.
وبدا ولد مولود أكثر راديكالية وجذرية في انتقاده لتجربة الحزب الحاكم في السلطة، وتعرية مظاهر الفساد السياسي والمالي، وفشل التجربة التنموية، وتعهد بالقيام "بإصلاحات تكرس مصالح الشعب الموريتاني وتساوي بين فئاته وأعراقه، وإزالة العراقيل التي تحول دون تحقيق وحدة وطنية تضمن حقوق الجميع في دولة القانون، ومساعدة الطبقات الضعيفة عبر خفض أسعار المواد الغذائية للمواطنين". واعتبر ولد أعبيدي أن "من حق الشعب أن يتحرر ويكسر قيود الظلم والتهميش والعنصرية"، مؤكداً ضرورة محاربة التمييز على أساس اللون والانتماء القبلي. واعتبر حاميدو بابا أن "قضية الزنوج مركزية"، فيما تعهد الوافي "بإصلاح التعليم، والصحة، والاقتصاد، وتعزيز الديمقراطية والمساواة، والحفاظ على الحريات العامة، وتعزيز دور الصحافة".