لأن يوسف "فلسطيني"، ضُرب بالأدوات الحادة والمفكّات، وكل قطعة يمكنها أن تحدث ألماً في جسد تركت فيه علامات، لو تكلمت لصرخت من حجم ذلك الإرهاب، الذي يمارسه غلاة المتطرفين اليهود بحق المقدسيين، في عقر دارهم، وعلى أسوار مسجدهم.
يوسف الرموني، (32عاماً)، من سكان حي الطور، شرقي القدس المحتلة، شنق على أيدي مُستوطنين متطرفين مع ساعات منتصف ليل أمس الأحد، أثناء عمله كسائق حافلة تابعة لشركة "ايجد" الإسرائيلية، والتي يعمل فيها منذ سنوات، ليخطفوه عنوة من حضن طفليه جهاد (6 أعوام) ومحمد (4 أعوام) وزوجته، التي تعمل مدرّسة، وليحرموا والديه وأشقاءه من رؤيته عن قرب، بعد أن سرقه العمل منهم أياماً طويلة.
يوسف المبتسم، كان دائماً ذا وجه بشوش، ضاحكاً حتى في لحظات الغضب، محبوباً في ذلك المجتمع، الذي يحيط به، يلبي أي طلب يُطلب منه، كان جوهرة بحسب وصف شقيقه لؤي، لـ"العربي الجديد".
وقال لؤي، بعد أن استجمع قواه من هول الصدمة على فراقه، إن شقيقه كان يحب عمله كثيراً، عدا الفترة الأخيرة، لا سيما بعد حادثة مقتل الطفل، محمد أبو خضير، حرقاً على أيدي متطرفين يهود، حيث بدأ يشتكي منذ تلك الفترة من تعرض المستوطنين له، ومحاولة مهاجمته، إذ تعرض للرشق بالزجاجات الفارغة، ومرة أخرى لمحاولة ملاحقة من قبل ثلاثة مستوطنين، حاولوا الاعتداء عليه قبل أن يتمكن من الفرار من حافلته.
ولفت إلى أنه كان يريد أن يترك عمله بعد تصاعد تلك الاعتداءات، والعنصرية الكبيرة، التي يمارسها المستوطنون بحقه، كونه عربياً، لكنه لم يترك العمل لأن الشركة غيرت مسار خط السير، الذي يعمل فيه، إضافة إلى زيادة في راتبه، كمحاولة لإقناعه بأن الوضع آمن.
وعلى ما يبدو فإن المستوطنين نكلوا بيوسف، وضروبه وعذبوه حسبما بينّت العلامات على جسده أسوة بالجريمة، التي ارتكبت بحق الشهيد محمد أبو خضير، إذ "ضرب بالمفكات والأدوات الحادة، وكسرت ساقه، وشنقوه، ذبحوه، حسبي الله ونعم الوكيل"، هكذا قال لؤي ثم استسلم للبكاء.
وحسب لؤي، فقد خطفت شركة الباصات شقيقهم منهم، وسرقته من منزله وعائلته، وكان يعمل من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى الثانية فجراً، وأوضح لؤي أن شقيقه كان يخاطر بحياته في ظل تلك الأحداث المتصاعدة، من أجل رزقه ولقمة عيش أطفاله.
ووجه رسالة إلى السلطة الفلسطينية مطالباً إياها بفتح المصانع وإيجاد فرص عمل للفلسطينيين، حتى لا تدفعهم الحاجة إلى المخاطرة والعمل في المستوطنات وعند الإسرائيليين، الذين يحتلون أرضهم.
من جهتها، لم تجد والدة الشهيد أية كلمات تغلب على صمتها لحظة حديثها مع "العربي الجديد"، سوى أنها قالت إن ابنها لا يوجد من هو أطيب وأفضل منه، فقد كان خلوقاً ومحبوباً واجتماعياً جداً، ويحب الجميع، وقد حادثته آخر مرة يوم الخميس الماضي هاتفياً ولم تره منذ شهر، وختمت حديثها "يوسف ضحية، من سيربي أبناءه؟ ومن سيعاقب القتلة؟".
كما أكد السائق في الشركة نفسها، خالد عبيد، لـ"العربي الجديد"، أن السائقين الفلسطينيين، وهم الغالبية في هذه الشركة، تعرضوا لأكثر من مائة محاولة اعتداء من ضرب ورشق بالحجارة ومحاولات قتل وإهانات منذ حادثة مقتل الطفل محمد أبو خضير.
ولفت إلى أنه كان قد أصيب في كتفه، بعد أن تعرض في وقت سابق للرشق بالحجارة من قبل المتطرفين اليهود، وأن الشهيد يوسف الرموني هو من قام بنقله إلى المستشفى، وبقي بجانبه طيلة ساعات الليل، حتى تم نقله إلى منزله.
وطالب عبيد ورفاقه السائقون شركة "إيجد" بالأمن والأمان، مؤكداً أنه لن يعود إلى عمله إذا لم تضع له الشركة حارساً أمنياً خشية على حياته.