31 أكتوبر 2024
يحاولون إقناعنا بأن ننهزم
بذريعة النقد والمراجعة وتصحيح المسار، يتكالب مثقفون وناشطون على الهجوم على الثورة السورية وتاريخها وإنجازاتها، فيما يبدو أنها محاولة لصنع سبق ليس أكثر، بل هناك تيار بدأ يتحدث عن الثورة حدثا تاريخيا مضى، في إشارة إلى نهايته، من دون أن ينتبه هؤلاء إلى أنهم يتساوقون مع حملة كثيفة يقوم بها الطرف الآخر الذي يدّعي أنه انتصر، ما يضع مجتمعات الثورة وبيئاتها بين نارين.
يعتمد كثير من هذه القراءات على تحليلات وتقارير غربية، تستند إلى وصف اتجاهات السياسة الدولية وتحوّلها إلى معطى في تحليلاتها عن الأوضاع في سورية، كما تستخدم مؤشرات كمية من نوع مساحة السيطرة وطبيعة المناطق التي يستحوذ عليها كل طرف جغرافيا.
وقد ثبت بالخبرة والتجارب الميدانية أن هذه معطيات مضلّلة لا تفسر الواقع، ولا تستطيع فهم العلائق والروابط بين الثورة، بوصفها انعكاسا لمطالب حاملها الاجتماعي وطموحاته، والقوة التي تستمدها من هذا الحامل الذي يشكل ركيزتها وقناة تغذيتها، ليس على مستوى الكادر الثوري المقاوم، بل وعلى صعيد القيم والسلوكيات.
ثم إن الغرب لم يغير أدواته التحليلية، في مقاربة قضايا المنطقة، على الرغم من ثبوت عدم
قدرتها على التنبؤ بالتطورات، وغالباً ما تكون أحكامه استشراقية بدرجة كبيرة، بالإضافة إلى ميلها الدائم صوب التنميط والقولبة، لسهولة الوصول إلى نتائج سريعة، ومن يراقب القراءات الغربية لتطورات الربيع العربي سيجدها بين احتمالين، ليس أكثر، انتصار الأنظمة السابقة نصرا يتضمن استعادة إخضاع المجتمعات، أو الذهاب إلى التطرّف على نموذج داعش والقاعدة.
ما يحصل للثورة السورية قريب الشبه مع ما حصل في كل الثورات التي شهدها العالم، وخصوصا التي يصنفها المؤرخون الثورات الكبرى، الفرنسية والروسية والصينية. مرت كل هذه الثورات بمراحل تراجع، بل سيطرة للطرف الخصم، لكنها عادت وانتصرت، وهذا طبيعي بالنسبة للثورة السورية.
بعد سبع سنوات من حربٍ يوميةٍ متواصلة ضد نظام وقوى إقليمية ودولية، حيث تصبح الثورة بحاجةٍ لإعادة ملء الفراغات، وترميم بعض الأجزاء في جسدها، بل واكتساب مهارات ثورية جديدة، تتناسب والمتغيرات التي طرأت على الجبهة المقابلة التي ما انفكت تبحث عن تكتيكات وصيغ لمجابهة الثورة والقضاء عليها.
غير أنه بدل أن يسعى بعض المثقفين والناشطين إلى ترميم جراح المجتمع والثورة وتحفيزهما على الصمود، يسخّرون هذه الطاقة لمساعدة الطرف الآخر على ترميم جراحه، وهو يقف على شفا الانهيار، أو على الأقل فإن موقعه ليس أفضل من موقع الثورة.
بوعي أو بدونه، يحطمون رواية الثورة ومظلومية مجتمعها، ويدعمون الرواية المزيفة واللاأخلاقية للطرف الآخر، والتي تقوم بنيتها على فكرة واحدة، وهي أن مجتمع الثورة متخلفٌ، لا أخلاقي، غير متحضر وفاسد، هل هو غير ذلك ما تقوم به تلك الكتابات والدعوات، إنهم يمسحون الجريمة عن الطرف الآخر، ويبرئونه بأثر رجعي من كل ما ارتكبه من جرائم وسياسات لا إنسانية.
وكان نظام الأسد وصل، في أوقات عديدة، إلى مراحل الهزيمة الساحقة، ومعه إيران وحزب الله ومليشيات العراق كلها، لكن أنصاره لم يشكّكوا لحظة في روايته الرثّة، على الرغم من كل حمولتها اللاخلاقية، ولم ينتقدوا أدواته وأساليبها المستقاة من عالم الجريمة، لإدراكهم أن ذلك سيشد من عزيمة الطرف المقابل، وقد يكون سببا مباشراً في انتصاره وهزيمة النظام وحلفائه.
ليس ذلك دعوة إلى عدم تقديم الإرشاد والنصيحة، بهدف تحسين الأداء واتباع تكتيكات جديدة، وتنبيه الثوار وحاضنتهم إلى أشياء فاتهم التنبه لها. أما أن يجعل بعضهم الثورة والثوار سبب البلاء من دون تقدير للواقع الذي يعملون فيه، وللظروف التي يعبرونها، فهذا أمر يتعدى النقد، ويدخل في حيز الإستهداف المباشر للثورة.
دائما كان خطأ التعامل مع الأحداث أخطر من الأحداث ذاتها، التشويش الذي يمارسونه على
المفاوضين، وعلى المقاتلين، وعلى بيئات الثورة، لن ينتج شيء سوى إرباك هذه الفعاليات وإضعافها. لا تزال كل هذه الفعاليات في ساحات الصراع، لا المفاوض تنازل، ولا المقاتل استسلم، ولا المجتمعات تراجعت عن دعم الثورة، جميعهم يمارسون السياسة بوصفها فن الممكن، ويمارسون المقاومة بوصفها فعل قدرة وخيار لمواجهة الطغيان. ويفعل هؤلاء ذلك لإدراكهم أن البدائل أخطر بكثير، ويرفضون الانخراط في مسار تنازلي، يمارسون لعبة عضّ الأصابع إلى أقصاها.
كيف نسلم والثوار ما زالوا يحققون الانتصارات، وما زالوا يقاتلون على مختلف الجبهات، ويعجزون كل القوى التي تواجههم، فمن المعيب رفع راية الاستسلام أمام الخصم الذي لم يستطع مواجهة عشرات الثوار في جوبر، ثم ما الذي أنجزه نظام الأسد؟ احتلال مساحات من الصحراء؟ وهل كانت تلك المساحات سوى تضييع لجهود الثورة باعتراف الخبراء العسكريين والإستراتيجيين؟ لماذا تصرّون على قراءة الوقائع من مخرجات حرب الأسد النفسية، وتصغون لأهازيجه الكاذبة عن الانتصار وتنقلونها إلى جماهير الثورة، أي انتصار ذلك، والثورة أنجزت حتى اللحظة أكثر من انتصار، وكل ما يرجوه نظام الأسد أن يبقى في السلطة فترة انتقالية لسنة ونصف سنة وبدون أي صلاحيات!
دعوا الثورة لمن صنعها، شعب سورية، لا تحليلاتكم المغمّسة بالتخاذل صادقة، ولا تقديراتكم الصبيانية صحيحة. اصمتوا أو استقيلوا، ودعوا الثورة تكمل سياقاتها، هذه الثورة قامت لتنتصر، ولم تفحص خيارات أخرى غير ذلك.
يعتمد كثير من هذه القراءات على تحليلات وتقارير غربية، تستند إلى وصف اتجاهات السياسة الدولية وتحوّلها إلى معطى في تحليلاتها عن الأوضاع في سورية، كما تستخدم مؤشرات كمية من نوع مساحة السيطرة وطبيعة المناطق التي يستحوذ عليها كل طرف جغرافيا.
وقد ثبت بالخبرة والتجارب الميدانية أن هذه معطيات مضلّلة لا تفسر الواقع، ولا تستطيع فهم العلائق والروابط بين الثورة، بوصفها انعكاسا لمطالب حاملها الاجتماعي وطموحاته، والقوة التي تستمدها من هذا الحامل الذي يشكل ركيزتها وقناة تغذيتها، ليس على مستوى الكادر الثوري المقاوم، بل وعلى صعيد القيم والسلوكيات.
ثم إن الغرب لم يغير أدواته التحليلية، في مقاربة قضايا المنطقة، على الرغم من ثبوت عدم
ما يحصل للثورة السورية قريب الشبه مع ما حصل في كل الثورات التي شهدها العالم، وخصوصا التي يصنفها المؤرخون الثورات الكبرى، الفرنسية والروسية والصينية. مرت كل هذه الثورات بمراحل تراجع، بل سيطرة للطرف الخصم، لكنها عادت وانتصرت، وهذا طبيعي بالنسبة للثورة السورية.
بعد سبع سنوات من حربٍ يوميةٍ متواصلة ضد نظام وقوى إقليمية ودولية، حيث تصبح الثورة بحاجةٍ لإعادة ملء الفراغات، وترميم بعض الأجزاء في جسدها، بل واكتساب مهارات ثورية جديدة، تتناسب والمتغيرات التي طرأت على الجبهة المقابلة التي ما انفكت تبحث عن تكتيكات وصيغ لمجابهة الثورة والقضاء عليها.
غير أنه بدل أن يسعى بعض المثقفين والناشطين إلى ترميم جراح المجتمع والثورة وتحفيزهما على الصمود، يسخّرون هذه الطاقة لمساعدة الطرف الآخر على ترميم جراحه، وهو يقف على شفا الانهيار، أو على الأقل فإن موقعه ليس أفضل من موقع الثورة.
بوعي أو بدونه، يحطمون رواية الثورة ومظلومية مجتمعها، ويدعمون الرواية المزيفة واللاأخلاقية للطرف الآخر، والتي تقوم بنيتها على فكرة واحدة، وهي أن مجتمع الثورة متخلفٌ، لا أخلاقي، غير متحضر وفاسد، هل هو غير ذلك ما تقوم به تلك الكتابات والدعوات، إنهم يمسحون الجريمة عن الطرف الآخر، ويبرئونه بأثر رجعي من كل ما ارتكبه من جرائم وسياسات لا إنسانية.
وكان نظام الأسد وصل، في أوقات عديدة، إلى مراحل الهزيمة الساحقة، ومعه إيران وحزب الله ومليشيات العراق كلها، لكن أنصاره لم يشكّكوا لحظة في روايته الرثّة، على الرغم من كل حمولتها اللاخلاقية، ولم ينتقدوا أدواته وأساليبها المستقاة من عالم الجريمة، لإدراكهم أن ذلك سيشد من عزيمة الطرف المقابل، وقد يكون سببا مباشراً في انتصاره وهزيمة النظام وحلفائه.
ليس ذلك دعوة إلى عدم تقديم الإرشاد والنصيحة، بهدف تحسين الأداء واتباع تكتيكات جديدة، وتنبيه الثوار وحاضنتهم إلى أشياء فاتهم التنبه لها. أما أن يجعل بعضهم الثورة والثوار سبب البلاء من دون تقدير للواقع الذي يعملون فيه، وللظروف التي يعبرونها، فهذا أمر يتعدى النقد، ويدخل في حيز الإستهداف المباشر للثورة.
دائما كان خطأ التعامل مع الأحداث أخطر من الأحداث ذاتها، التشويش الذي يمارسونه على
كيف نسلم والثوار ما زالوا يحققون الانتصارات، وما زالوا يقاتلون على مختلف الجبهات، ويعجزون كل القوى التي تواجههم، فمن المعيب رفع راية الاستسلام أمام الخصم الذي لم يستطع مواجهة عشرات الثوار في جوبر، ثم ما الذي أنجزه نظام الأسد؟ احتلال مساحات من الصحراء؟ وهل كانت تلك المساحات سوى تضييع لجهود الثورة باعتراف الخبراء العسكريين والإستراتيجيين؟ لماذا تصرّون على قراءة الوقائع من مخرجات حرب الأسد النفسية، وتصغون لأهازيجه الكاذبة عن الانتصار وتنقلونها إلى جماهير الثورة، أي انتصار ذلك، والثورة أنجزت حتى اللحظة أكثر من انتصار، وكل ما يرجوه نظام الأسد أن يبقى في السلطة فترة انتقالية لسنة ونصف سنة وبدون أي صلاحيات!
دعوا الثورة لمن صنعها، شعب سورية، لا تحليلاتكم المغمّسة بالتخاذل صادقة، ولا تقديراتكم الصبيانية صحيحة. اصمتوا أو استقيلوا، ودعوا الثورة تكمل سياقاتها، هذه الثورة قامت لتنتصر، ولم تفحص خيارات أخرى غير ذلك.