حزب الله بعد اغتيال نصر الله
لا يستطيع العدو، قبل الصديق، إنكار أنّ حسن نصر الله كان شخصاً استثنائياً في بيئته وحزبه، وفي محوره بالكامل. امتلك ما يجب أن يمتلكه القادة الكبار من كاريزما، وقدرةٍ على طمأنة بيئته في أقصى مراحل الخطر الذي مرّت به منذ عقود طويلة، وقاد حزب الله 32 عاماً.
ليس مبالغةً القولُ إنّ حسن نصر الله كان الأب الروحي لطائفته وللمقاتلين في الجبهات، وكان مُجرَّد ظهوره على الشاشة يكفي لطمأنة هؤلاء، وشحنهم بمزيد من القوة، ورفع مستوى توقّعاتهم في الحرب والسلم، والاطمئنان على استمرار صعود تأثيرهم في لبنان، وفي الإقليم كلّه. وينسحب الأمر على مُؤيِّديه في المنطقة من إيران إلى العراق إلى سورية فاليمن.
سيكون لموته أثر مفجع في بيئته، لا سيّما أنّه موتٌ يأتي في سياق حرب مدمّرة تخوضها إسرائيل، تستهدف بدرجة كبيرة مساحة الفعالية التي امتلكها الحزب في مدار السنوات الماضية، وأصبح أحدَ الفاعلين الأساسيين في المنطقة، بعد أن استطاع التأثير في الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق وسورية، ودوره الكبير في إعادة هندسة الخرائط الاجتماعية والديمغرافية في هذه البلاد.
بعد موت نصر الله تتغير ربمّا أولويات حزب الله، وستتّجه أفضلياته إلى التركيز في البيت الداخلي وتقليل الأضرار ما أمكن
لن تكون التداعيات على مستوى الحزب أقلّ، ليس بالنظر لرمزية حسن نصر الله (على أهميتها) وحسب، بل لمركزية دوره في تشكيل الحزب وتصميم هياكله التنظيمية والعسكرية، وترتيب أوضاعه الداخلية وعلاقاته الخارجية، وكذلك تحديد توجّهاته السياسية والعسكرية الداخلية والإقليمية. بالنسبة إلى الحزب، هو في مواجهة صدمةٍ غير مسبوقةٍ جرّاء غياب قائد تولّى إدارة شؤونه في مدار أكثر من ثلاثة عقود، والمعلوم أنّه في هذا النوع من التنظيمات ثمّة أمور كثيرة تبقى سرّيةً لا يملكها سوى القائد العام، إمّا للحفاظ على سرّية العمل، أو حفاظاً على دور القائد نفسه.
تختلف ظروف الحزب عن الظروف التي قُتِل فيها الأمين العام السابق عبّاس الموسوي عام 1992، ذلك أنّ الحزب توسّع بشكل أكبر على مستوى البنية والدور والمكانة، كذلك كان لحسن نصر الله بصماته في مسار الحزب. وكان الدور الأبرز في رسم سياسات الحزب عموماً. ويكفي لتأكيد الفارق بين المرحلتَين تحوّل حزب الله إلى ما يشبه الجيش النظامي من حيث هياكله العسكرية ونوعية تسليحه والمهام التي قام بها، بخلاف ذلك الحزب الذي كانت بنيته بسيطةً تعتمد على التنظيم العنقودي لخلايا صغيرةٍ تعتمد في عملها على الكمائن.
يراهن الأنصار بأنّ حزب الله يملك بنيةً تنظيميةً قويةً تستطيع (بالرغم من حجم الألم الذي تعيشه بعد رحيل زعيمها) تعويض القائد من دون أن تكون هنالك تأثيرات وتداعيات كبيرة على مسارات الحزب في الحرب والسياسة، لكنّ الإشكالية أنّ حزب الله تعرّض لعملية قتل منهجية لقيادته العليا والوسطى، على مدار عام من مشاركته في حرب الإسناد، ثمّ إنّ الخرق الاستخباري في صفوف الحزب بات واضحاً، وسيكون له دور مهمّ في إرباك الحزب، وإشاعة الخوف بين صفوف عناصره وقياداته الحالية.
سيجد حزب الله نفسه، في سياق الأوضاع الراهنة، أمام جملة من التحدّيات سواء على مستوى إدارة الحرب الحالية غير المسبوقة التي تشنّها عليه إسرائيل، وهذه نقطة مفصلية ينبغي على الحزب إيجاد حلٍّ مناسبٍ لها، في ظلّ هذا الوضع الضاغط على الحزب، بالإضافة إلى طَمأَنَة بيئته الحاضنة التي تتعرّض للتهجير والتدمير من الجنوب إلى البقاع فالضاحية، فمن المُرجَّح أن تستثمر إسرائيل الظروف الراهنة لزيادة الضغط على الحزب لاعتقاد قادتها أنّهم أمام فرصة ذهبية لتفكيك حزب الله، وللتخلّص من مخاطره إلى الأبد.
قد يكون غياب حسن نصر الله تفصيلاً صغيراً في وجود قرار يُنفَّذ بإعادة تشكيل المنطقة وصياغة توجّهات جديدة
بعد موت نصر الله تتغير ربمّا أولويات الحزب، وستتّجه أفضلياته إلى التركيز في البيت الداخلي وتقليل الأضرار ما أمكن، إذ ستدرك القيادة الجديدة للحزب أنّ بقاء الحزب واستمراره باتا أولويةَ الأولويات، ربّما على حساب الأهداف البعيدة المدى، وهذا يتطلّب استيعابَ الصدمةِ عبر التأثير في التفاعلات السلبية التي سيخلّفها قتل الأمين العام للحزب، وهذا سيستدعي مناخاً مختلفاً يستطيع الحزب من خلاله الخروج من حالة الفوضى، التي أصبح عليها الحزب جرّاء الضربات المتواترة التي تلقّاها في مدار أيّام.
يتمثّل التحدّي الآخر في مدى قدرة من سيخلف حسن نصر الله في إدارة الأوضاع في هذه الظروف المُعقَّدة، التي زادها مقتل نصر الله تعقيداً، في ظلّ الحديث عن وجود توتّرات داخل الحزب بسبب دوره وأولوياته في هذه المرحلة، وفي المرحلة المقبلة.
ثمّة من يعتقد أنّ غياب حسن نصر الله ليس سوى تفصيلاً صغيراً، ولن يكون له تأثير كبير، في وجود قرار يُنفَّذ بإعادة تشكيل المنطقة وصياغة توجّهات جديدة، بدليل أنّ إيران بدأت التفاوض على دورها ومكانتها في المرحلة المُقبلة، التي ستشهد تغييراً كبيراً في الفاعلين وأدوارهم، والتركيز على دور الدول والسلطات الرسمية، وتهيئة المنطقة لأدوار مختلفة، بالاتفاق بين الولايات المتّحدة والفاعلين المُؤثّرين في المنطقة، لا سيّما دول الخليج، ودول الجوار العربي عموماً.