يا زمان الوصل في "الإتحاد الاشتراكي"

29 يوليو 2015
+ الخط -
بإعلان رفاق الراحل أحمد الزايدي عن تأسيس حزب جديد تحت مسمى "البديل الديموقراطي"، يكون حزب الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية قد دخل مرحلة جديدة، تفرض طرح علامات استفهام حول مستقبل هذا الحزب الذي تعود على الإنشقاقات. وعلى الرغم من أن المشكلات الداخلية التي عرفها في العقدين الماضيين لم يكن لها تأثير حاسم على مساره وحضوره في الساحة السياسية المغربية، فإن ما شهده البيت الداخلي لحزب الوردة في الأسابيع والشهور الأخيرة من تطورات يؤشر إلى أفول ما تبقى من نجم هذا الحزب الذي فقد بريقه السياسي بشكل كبير، وأصبح رقما عاديا في الخريطة الحزبية، ولم يعد يشفع له إلا رصيده التاريخي الذي بناه الآباء المؤسسون.
يدرك كل متتبع لمسارات المشهد الحزبي ومآلاته في المغرب أن بداية سقوط الاتحاديين قد بدأت سنة 1996، عندما اختاروا التعاطي بإيجابية مع الإستفتاء الدستوري آنذاك، حيث شكل ذلك القرار انقلابا في أفكار الحزب ومواقفه، لأنه انتقل بذلك من موقعه معارضاً إلى منخرط في الممارسة السياسية، كما تدبرها وتريدها الدولة، وبالشروط التي يختارها "المخزن". وقد مهد هذا التنازل الذي قدمه الحزب لبداية جديدة في علاقته بالسلطة، تكللت بترؤسه ما سميت حكومة "التناوب التوافقي" سنة 1998، وهي اللحظة التي اختار رفاق عبد الرحمن اليوسفي، ومعهم نسبة كبيرة من مكونات اليسار، أن يطلقوا عليها اسم "الإنتقال الديموقراطي".
تجربة المشاركة في الحكومة، بما لها وما عليها، أججت نقاشا داخلياً، بلغ أوجه، عندما اختار اليوسفي أن يترك سفينة الاتحاد الإشتراكي، وهي تتعرض لأجواء عاصفة، بعد تعيين الملك وزيرا أول من التكنوقراط، إثر انتخابات برلمانية، احتل خلالها حزب الوردة المرتبة الأولى سنة 2002. ويبدو أن مفهوم "الانتقال الديموقراطي" أصبح، منذ تلك اللحظة، اسما على غير مسمى. لذلك، كان بالإمكان أن ينقذ الإتحاديون حزبهم، ويحافظوا على رصيدهم النضالي في تلك المرحلة الفارقة، لو أنهم تبنوا الموقف الذي عبر عنه زعيمهم الذي تقاعد من الحزب والسياسة، احتجاجا على "عدم احترام المنهجية الديموقراطية". ولأن التوجه المؤثر في الحزب اختار الإستمرار في الحكومة، فقد كان ذلك القرار بمثابة إعلان جديد لوفاة الاتحاد الإشتراكي مع وقف التنفيذ، لأن تداعيات الخلاف الداخلي بين الإتحاديين كانت قوية، ومزلزلة سياسيا ونقابيا، وما زال تأثيرها قائماً.
واليوم، يبدو أن السقوط الحر لحزب القوات الشعبية ما زال مستمرا، وبحدة أقوى، تحول معها هذا التنظيم السياسي من معارض شرس لحكم الحسن الثاني في أحلك الظروف، وحامل آمال فئات عريضة من الشعب المغربي، إلى مجرد كومبارس، يؤدي دوره في مشهد سياسي متحكم فيه بعناية. فقد انتقل الحزب من مكون أساسي ل"حكومات صاحب الجلالة" التي تعاقبت منذ تجربة التوافق إلى جزء من "معارضة صاحب الجلالة"، كما عبر عنها أمينه العام في خرجته الشهيرة: (المعارضة ديال صاحب الجلالة).
حزب الاتحاد الإشتراكي الذي كانت سقف مطالبه تطال عنان السماء، أصبح اليوم يطلب التحكيم، لأنه لم يعد قادرا على احتمال مشاغبات رئيس الحكومة، في زمن تردي السلوك السياسي المغربي. حزب أهله رصيده التاريخي للصمود أمام ضربات تعرض لها في السنوات الأخيرة، يبدو الآن في طريقه نحو النهاية. إذ يعيش، هذه الأيام، على وقع مجموعة من المشكلات، فقد بدأ الحزب الذي راهن على الأعيان، في السنوات الأخيرة، يفقد عددا من رموزه "الانتخابية"، بعد التحاق مجموعة منهم بأحزاب أخرى، خصوصا بعد أن اختار الغاضبون تأسيس حزب جديد، يسوقونه بديلاً ديموقراطياً، لكنه قد لا يكون، في أحسن الأحوال، سوى رقم آخر ينضاف إلى قائمة كبيرة من الأحزاب، تختلف في التسميات والرموز، وتتشابه في غياب أي أفق أو مشروع مجتمعي، أو استراتيجية سياسية، بديموقراطية حقيقية.
ليس الحديث عن نهاية الاتحاد الإشتراكي شأنا خاصا بهذا الحزب، بل إنه يرخي بظلاله على مستقبل اليسار المغربي بشكل عام، فقد بدا واضحا أن تجربة الحكم التي خاضها رفاق اليوسفي، واستمروا فيها بعده، كان لها وقع كبير على رصيد المشروع اليساري، وحضوره في الشارع المغربي. وفسيفساء الأحزاب الرفاقية التي يعج بها المشهد السياسي المغربي تثبت أن الوصول إلى كتلة يسارية قوية تستقطب تعاطف المغاربة أمر بالغ الصعوبة. إذ يبدو واضحا من تناسل الأحزاب المحسوبة على اليسار، أخيراً، أن المصالح الشخصية هي التي تتحكم غالباً في المواقف والإختيارات. وذلك ما يتجلى بوضوح في حضور الأذرع النقابية المحسوبة على تلوينات هذا اليسار، فهي تحارب اختيارات الحكومة بالبيانات والبلاغات فقط، لكنها عمليا غير قادرة على بلورة موقف مشترك، يقوي العمل النقابي وينقذه من جبته الحزبية الضيقة. وهنا، لابد من الإقرار بالمسؤولية التاريخية للاتحاد الإشتراكي في ما آل إليه واقع أحزاب اليسار المغربي الذي تتمزقه ثلاثة تيارات: يسار مهادن أسكرته كأس السلطة، ويسار متردد فاقد للبوصلة، ويسار راديكالي غارق في الطوباوية. فهل من إمكانية لانبعاث إتحادي يساري جديد يعود بنا عبر الزمن في رحلة إلى ما قبل سنة 1996؟.
محمد مغوتي (المغرب)
avata
avata
محمد مغوتي (المغرب)
محمد مغوتي (المغرب)