يافا عروس فلسطين بين الماضي والحاضر

16 مارس 2015
ما بقي من معالم يافا يشهد على النكبة وحكايتها(Getty)
+ الخط -

فقد الفلسطينيون مدينة البرتقال والحياة المدنية، وسينما الحمراء، التي بنيت عام 1910، وتم تهجير غالبية أهلها ومحو معالمها وغالبية بيوتها العربية.

ما بقي من معالم يافا يشهد على النكبة وحكايتها: ميناؤها وقواربها وصيادوها الذين توارثوا مهنة الصيد أباً عن جد. فبناؤها المعماري الإسلامي ومساجدها وكنائسها، وساحة الساعة أو ساحة الشهداء، تحمل عبق ورونق تاريخ نكهتها العربية الفلسطينية، على الرغم من كل عمليات التهويد والاستيلاء.

تقع مدينة يافا 55 كيلومتراً غرب مدينة القدس على الساحل الشرقي لبحر الأبيض المتوسط، ويسكنها 20 ألف فلسطيني عربي اليوم في بحر من مليوني يهودي في منطقة تسمى اليوم "غوش دان" وهي مركز دولة إسرائيل، بعدما تم ضم يافا إلى مدينة تل أبيب عام 1950.

ويسكن العرب اليوم في ثلاثة أحياء: العجمي والنزهة وشارع الحلوة "يافت". شارع النزهة أو جمال باشا هُوِّد، وسمي اليوم "يروشلايم"، هو جادة مبنية بطريقة حديثة، تدلّ على حداثة الحي، ويعكس حجم وتطور المدينة الفلسطينية، وهو الحي الأخير الذي بني في يافا الفلسطينية.

حي العجمي هُوِّد ويسكنه اليوم الإسرائيليون الأغنياء. وهو يقع جنوبي يافا مباشرة على البحر، وثلث سكانه عرب، ويافا القديمة حُوّلت إلى حي فنانين، وبقي منها مسجد البحر وثلاث كنائس. وحيّ المنشية هُدِم وحُوِّل إلى متنزه على البحر، وبقي منه جامع حسن بيك.

يقول الباحث سامي شحادة لـ "العربي الجديد": "سكن يافا قبل النكبة 120 ألف نسمة من الفلسطينيين، وبعد التهجير وموجات النزوح القسري بقي في يافا 3900 نسمة". ويضيف: "أطلق الفلسطينيون على ساحة الساعة اسم ساحة الشهداء، لأنها شهدت العديد من المظاهرات الوطنية والتجمعات الشعبية ضد الانتداب البريطاني والصهيونية، وعلى أرضها سقط شهداء".

أما ابن يافا المولود فيها عمر سكسك، من مواليد 1957، فقال لـ "العربي الجديد": "الغالبية العظمى من عائلة سكسك هجِّرت في عام النكبة، وبقي منهم فقط جدي وأبي وأعمامي. كان جدي يملك بيارة في حي سكنة درويش تبلغ مساحتها 65 دونماً، فتمت مصادرتها بعد النكبة عن طريق قانون السرقة "الحاضر الغائب" الإسرائيلي، لا أقل ولا أكثر. تحولنا مباشرة من أصحاب أملاك إلى عمال نبحث عن عمل ونتعلم حرفاً ومهناً جديدة "لنسترزق". عمل أبي معلم سياقة مدةً، وبعدها عامل صيانة سيارات". وأضاف: "جميع العرب الذين كانوا يملكون بيارات، أخذوهم ليعملوا في بيارات خارج يافا عمالاً مختصين لهم خبرة في أراضي اليهود بعد النكبة".

وعن تهويد المدينة، يلفت سكسك إلى أن التهويد ومحو المعالم العربية الفلسطينية لم ينته في عام النكبة. فقد تم تنفيذ جريمة متواصلة بين 1975 حتى 1985 وهدم 3126 وحدة سكنية كان هدفها محو معالم يافا التاريخية، لمنع عودة أصحاب البيوت اللاجئين الفلسطينيين.

لم يقف الأمر عند ذلك، فيافا التي كانت قلب فلسطين الثقافي والفني، حُرمت طيلة العقدين الأولين من النكبة حتى من مدرسة ثانوية، واقتصر تعليم أبنائها على صفوف المرحلة الإعدادية. هكذا تمكنت إسرائيل من تجهيل جيل كامل. لقد درس الجميع حتى صفوف الإعدادية وخرجوا إلى العمل. لكن ماذا يمكن لمن لا يحمل الشهادات أن يعمل. ذهب أهالي يافا الذين ظلوا في المدينة للعمل في الأعمال السوداء كأعمال النظافة بعد أن كانوا أصحاب أملاك.
يشير سكسك إلى أن "المعلمين الذين علمونا كانوا يهوداً شرقيين عراقيين يجيدون اللغة العربية ومستوى التعليم متدنٍ جداً".

بعد نحو ثلاثة عقود على النكبة وتحديداً في 1976، عام يوم الأرض الأول، تأسست رابطة رعاية شؤون عرب يافا. شكّل ظهور الجمعية نقطة تحوّل، ووفّر للأهالي عنوانا يلجأون إليه، وصوتا يحمل رسالتهم.

يقول غابي عابد، وهو أحد مؤسسي الرابطة لـ "العربي الجديد"، "الرابطة تنشط في مجالات عدة، السكن ومنع الهدم ورفع مستوى التعليم والرفاه الاجتماعي ورعاية قضايا الشبيبة والمسنين والأطفال. أكثر من نصف سكان يافا العرب يعيشون دون خط الفقر، بسبب البطالة ومشاكل المخدرات وغيرها". وأضاف: "في سنوات الخمسينيات والستينيات أُهملت يافا بشكل مسيّس. هدموا البيوت وقاموا بإخلاء السكان من دورهم ومن ثم انتقلوا إلى العمل بطريقة سياسية أخرى، وسمّوها "مشروع ترميم الأحياء"، وهي سياسة تهويد الأحياء المأهولة عربياً".
المساهمون