ولن نشفى من حب تونس

25 ديسمبر 2014
+ الخط -

قارن كثيرون ممن تابعوا نتائج الانتخابات الرئاسية في تونس، هذا الأسبوع، بين صورة الرئيس التونسي الأسبق، الحبيب بو رقيبة، الذي أزيح من الحكم، لأنه بلغ من العمر عتياً يومها، وصورة الرئيس التونسي الأحدث، الباجي قائد السبسي، الذي انتخب على الرغم من أنه بلغ من العمر عتياً!
ما الذي فعلته ثورة الياسمين، إذن؟ وما الذي تغير في البلد التي فتح الباب أولاً أمام رياح التغيير العربية؟
حسناً، لكن الجماهير التي ثارت لم تثر احتجاجاً على عمر الرئيس، وإن كان ذلك مؤشراً على بعض أسباب ثورتها، في بلد يتغير فيه كل شيء إلا رأس السلطة.
وصحيح أن الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تونس جاء ثمرة ثورة شبابية، شكلت العمود الفقري لموسم الربيع العربي، إلا أن هذا الوجه الشبابي لها لم يمنع من وصول شيخ يقترب من التسعين إلى سدة الرئاسة فيها عبر أصوات الشعب. ومع أنني، كعربية مهتمة بمستقبل الثورات العربية، في سياق ربيعها، كنت من المعجبين بشخصية الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، منذ كان معارضاً حقوقياً لامعاً، إلا أن هذا الإعجاب لا يمنعني من الإعجاب، أيضاً، بنتائج الانتخابات التي أدت إلى إقصائه، وفوز منافسه السبسي. وليس في الأمر أي تناقض، بالنسبة لي على الأقل. فتونس بقيت هي تونس، ذات المبادرات الثورية التي مع حيويتها ظلت هادئة، ولم تقترب من رائحة الدم الذي ولغت فيه بعض الثورات الأخرى، بشكل أو بآخر! وهي، باستكمال تجربتها الثورية على النمط الديمقراطي، تصرّ على إنجاح تلك التجربة، من خلال تحوّل سلمي رائع، وانحياز لحكم الصندوق، بغض النظر عن نتيجته وصورته وعمر الفائز فيه أخيراً، أو تاريخه، أو حتى مؤهلاته العملية وكفايته، فالمهم، في هذه المرحلة، أنه جاء نتيجة التطور الطبيعي للثورة، وأنه خيار الشعب الحر، وعلى الشعوب الحرة أن تتحمل نتائج اختياراتها، شرط أن تتوفر لها دائماً فرصة تحمل هذه الاختيارات وتقييمها، وتصحيح أخطائها بشكل دوري، كما يحدث في كل التجارب الديمقراطية التداولية.
ومع أن عمر التجربة في تونس بلغ أربع سنوات، إلا أنه عمر قصير نسبياً في مسارات التجارب الثورية للأمم والشعوب. وبالتالي، لا يحق لنا الاستعجال في الحكم النهائي على هذه التجربة، من دون أن تستكمل دورتها التاريخية الطبيعية، وهي لحسن الحظ دورة سائرة حتى الآن إلى الأمام، وبهدوء لافت.
بقي أن نحيي حزب النهضة الذي تسلم مسؤولية تونس في أصعب ظروفها، ووسط تحديات محلية ودولية وإقليمية، ساهم بعضها في إجهاض تجارب مماثلة، مثل التجربة المصرية. ولكن، لم يستسلم هذا الحزب لمغريات النكوص الثوري، ولم يتمسك بالحكم ضد رغبة الجمهور، بل أدى ما عليه، وقبل بمبدأ تداول السطلة حضارياً، لتجنيب تونس مصيراً مجهولاً.
تحية مستحقة أخرى للمنصف المرزوقي، على قبوله نتيجة الصندوق التي أبعدته عن كرسي الحكم، بلا غضاضة وبكل سلاسة، فهذا مما لم نعتده في الديمقراطيات الصورية!
وتحية ثالثة للباجي قائد السبسي الذي أصر على خوض الانتخابات، بكل مراحلها، ديمقراطياً، على الرغم من عمره المتقدم وحالته الصحية، فهذا حق ضمنه له الدستور تماماً، ثم إن الحياة حلوة والإرادة أحلى. ووصول شخص إلى الحكم، عبر صندوق الانتخابات، وهو في التسعين من عمره يبدو شيئاً جديداً بالنسبة إلى مواطن عربي، اعتاد على النقمة من زعماء مخلدين على الكراسي وراثياً، فلم لا؟
والسؤال الآن؛ هل سينجح حزب نداء تونس وقائده السبسي في الحفاظ على الثورة ومكاسبها الديمقراطية، كما فعل حزب النهضة والمرزوقي في المرحلة الأولى؟ ننتظر ونرى، فتجربة تونس الملهمة تهمنا جميعاً، وستظل أنظارنا معلقة بها دائماً، فلن نشفى منها ولا من حب تونس.. ولا نريد.
 

 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.