تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
أشتغل منذ فترة على التأويليات أو الهيرمينوطيقا، وإنني بصدد بلورة مداخلة في ملتقى دولي في بلجيكا عنوانه "الهيرمينوطيقا الفلسفية في السياق الإسلامي"؛ وستكون المداخلة حول محي الدين بن عربي؛ الشخصية الفكرية نفسها التي خصّصتُ لها في ما مضى محاولة بالفرنسية حول المعرفة والكشف؛ وأخرى بالعربية حول التأويل الصوفي للقرآن.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
آخر إصداراتي هو الجزء الأول من "نقد العقل الثقافي" وعنوانه "فلسفة التكوين وفكرة الثقافة"؛ وهو عمل من المفروض أن يأتي في أربعة أجزاء، كل جزء يتناول مركَّباً من مركَّبات الفكرة الثقافية كما أعمل على صياغتها. يتناول الجزء الأول مفهوم التكوين أو التثقيف بالمعنى الذي شاع عند الألمان "بيلدونغ"، وهو بحث في أصول المصطلح وتاريخية تشكُّله وتطوُّره؛ والجزء الثاني يتناول "فلسفة رؤية العالم ونظام الثقافة"، وهو الآخر يتناول مصطلحاً شاع عند الألمان وهو "رؤية العالم" وعلاقته بمباحث أساسية مثل الفلسفة والدين والأدب والفن. لذا أعتبر أن هذا المفهوم أساس في تحديد نظام الثقافة. ثم يتناول الجزء الثالث "فلسفة الفعل واشتغال الثقافة" بالاعتماد على فكرة "الثقف" التي تضاهي في بعض جوانبها مقولات الفهم والفقه والإدراك والعلم. أطرح فكرة أن يكون "الثقف" هو نمط اشتغال الفعل وهويته المباشرة. والجزء الرابع يتناول "فلسفة التواصل وامتداد الثقافة" ويؤكّد على فكرة المثاقفة. إنه مشروع كبير، يتطلّب جهداً ووقتاً، وهذا ما أعمل على توفيره لأسير به نحو اكتماله مع ضرورة المراجعة والتعديل والتطعيم.
■ هل أنت راضٍ عن إنتاجك ولماذا؟
لا يمكنني أن أدَّعي أنني راضٍ عن الأعمال التي أنتجها، بل أتحرَّى الحذر والتريُّث. ما أكتبه لا يكتسي الصيغة النهائية، بل أراجع بشكل مستمر ما أدوّنه، لأعيد تصحيحه والاشتغال عليه والإضافة إليه في مؤلفات جديدة، حتى أقدّم له كل الوجاهة والاعتبار، ولا أتركه لهاجس الكتابة العفوية والارتجالية. لا بدَّ أن يسير وفق معقولية وفكرة تينع وتنضج بالتدريج.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
أعتقد أنني سأتَّخذ المسار نفسه الذي أسير عليه الآن. ربّما هذا رضا عن النفس بالمعنى المطروح في السؤال السابق. لكن ليس تماماً برضا أو قناعة، وإنما مجرَّد الميل نحو مباحث تستهويني وتُشكّل مادَّة اشتغالي مثل التأويل والثقافة والتصوّف وبعض المباحث المكمّلة بالنظر في تاريخية هذه المفاهيم وأشكال تمظهرها وتطوُّرها.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
لا أعتقد أنني مؤهَّل لتغيير العالم أو أن يتغيَّر العالم حسب ما أريده. في الغالب، يتغيَّر العالم بنا أو بدوننا؛ وكنتُ ولا أزال أعتبر أن التغيير هو مهمَّة الجميع وليس خاصيَّة نخبة أو فئة معيَّنة. عندما طرح ماركس مقولته الشهيرة عام 1845: "اكتفى الفلاسفة لحدّ الآن بتأويل العالم بطرائق مختلفة، وما يهمُّ هو تغييره" (إحدى عشرة أطروحة حول فيورباخ)، نتساءل أحياناً إذا لم تكن المقولة تنخرط هي الأخرى في تأويل معيَّن للعالم وهو "التغيير". يعني أن ماركس دعا إلى التغيير بمبدأ تأويلي يرى في التغيير جوهرَ العالم. أعتقد أن التغيير ليس مهمَّة الفيلسوف حصرياً، بل هي مهمَّة كل فاعل اجتماعي واقتصادي وسياسي، لأن التغيير هنا هو "ميكروفيزيائي" يخصُّ أدقّ تفاصيل الحياة البشرية.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
كنتُ دائماً أريد لقاء ابن عربي الذي اشتغلتُ عليه في أطروحتي في الدكتوراه وفي العديد من دراساتي حول فكره الصوفي. لماذا ابن عربي بالذات؟ يقول بيفون: "الأسلوب هو الإنسان"، ونعرف قيمة الإنسان من خلال أسلوبه وطريقته في التعبير أو السلوك. بتعوُّدي على أسلوب ابن عربي، اكتشفتُ عبقرية فذَّة ورؤية كونية، جعلني أتعلَّق به وأودُّ لقاءه.
■ صديق يخطر على بالك أو كتاب تعود إليه دائماً؟
الصديق الذي يخطر على بالي دائماً هو الفيلسوف جاك دريدا، الذي التقيته مرّات عديدة، وكانت بيني وبينه مراسلات. لم تكن العلاقة فقط بسبب الأرض التي تجمعنا وهي الجزائر من حيث مكان الميلاد، لكن أيضاً بحكم ما يُسميه المايستر إكهرت "شيء في النفس" (Etwas in der Seele) ويمكن لهذا الشيء اللطيف أن يكون "الصداقة".
■ ماذا تقرأ الآن؟
أقرأ كتابات الفلاسفة الألمان حول فكرة "رؤية العالم" (Weltanschauung)، خصوصاً عند فِلهلم دلتاي وكارل ياسبرز، لأن هذا المصطلح سيساعدني في بلورة الجزء الثاني من "نقد العقل الثقافي".
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
أسمع موسيقى الجاز، فيها الكثير من المفاجآت والقفزات في الإيقاع. مثلاً نينا سيمون ومقطعها العجيب "سينرمان".
بطاقة
كاتب وأستاذ الفلسفة في "جامعة تلمسان" الجزائرية من مواليد 1972. من إصداراته: "تأويلات وتفكيكات" (2002)، "الإزاحة والاحتمال" (2008)، "الثقاف في الأزمنة العجاف: فلسفة الثقافة في الغرب وعند العرب" (2013)، "نقد العقل الثقافي 1" (2017).