ورطة ابن سلمان

12 أكتوبر 2018
+ الخط -
بينما تتكشف ملابسات اختطاف الكاتب الصحافي جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في إسطنبول تدريجياً، فإنه لا يمكن بحال التقليل من حجم الورطة السعودية التي تسببت بها جريمة الاختطاف، والتي لم يعد هناك شك بأنه تمت بتخطيط وتدبير وتنفيذ سعودي، تعوزه الدّقة وتغلب عليه الرعونة وعدم الاكتراث بالعواقب. وإذا كان سجل المملكة حافلا بجرائم الخطف والإخفاء لصحافيين ومسؤولين وأمراء سعوديين، فإن الجريمة تبدو هذه المرة مختلفة، لعدة أسباب:
أولها حجم التهور والحماقة التي رافقت عملية تنفيذ الجريمة، والتي تمت في وضح النهار وداخل مبنى حكومي سعودي، وعلى مرأى من كاميرات التصوير، سواء أمام مبنى القنصلية أو منزل القنصل محمد العتيبي الذي يبعد أمتاراً قليلة عن مبنى القنصلية، والذي (القنصل) أصبح موضع اشتباه، مع افتراض أن عملية تصفية جمال والتخلص من جثته (إذا ثبتت فعلياً) قد تمت في منزله، بعدما شوهدت سيارة مرسيدس كبيرة (فان) تنتقل من السفارة إلى منزله، وتمكث فيه أكثر من أربع ساعات، قبل أن تنطلق إلى المطار بصحبة أفراد من فرقة اغتيال خاشقجي.
وثانيها، الوزن المؤثر لخاشقجي إقليمياً ودولياً، وهو الذي كان يجوب كبرى العواصم العالمية من واشنطن (حيث كان يقيم)، إلى لندن وبروكسل وبرلين وباريس وغيرها، من أجل تحليل الأوضاع في السعودية، خصوصا بعد التطورات المتسارعة التي شهدتها في العامين الأخيرين والصعود المثير للجدل لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد كان جمال بمثابة الصوت العاقل الذي يحلل الأوضاع من دون تهويل أو تهوين، وهو ما زاد من تأثيره وحضوره بين الطبقة السياسية المؤثرة عالمياً. وقد رأينا كيف كانت كل وسائل الإعلام العربية والأجنبية تتسابق لاستضافته من أجل الحديث عن التغيرات في السعودية. ناهيك عن أنه كان قريباً من البلاط الملكي السعودي حتى وقت ليس بعيدا، ما كان يعطي حديثه مذاقاً مختلفاً.
ثالثها، أن جمال كان كاتباً منتظماً في واحدة من أهم الصحف العالمية، وأكثرها تأثيراً، وهي صحيفة واشنطن بوست، والتي ترى أن اختطاف جمال، وربما قتله، بمثابة اعتداء سافر عليها وعلى أحد كتابها. وبالتالي، لن تتوقف عن الحفر والضغط، حتى يتم الكشف عن الجناة الحقيقيين وتقديمهم للعدالة. ولعل ذلك ما يفسّر رد الفعل الأميركي، خصوصاً على مستوى الكونغرس، على الجريمة، والذي يزداد يوماً بعد يوم، ولن ينتهي من دون أن يكون هناك ضغط أميركي حقيقي على السعودية.
وأخيراً، أن التورط السعودي في تدبير الجريمة وتنفيذها لا يمكن إخفاؤه، أو التغاضي عنه، وأن قرار التخلص من خاشقجي صدر من أعلى المستويات السياسية في المملكة، وتحديداً من بن سلمان. وإذا ما ثبت ذلك، فإن جريمة بن سلمان هذه المرة تتجاوز بقية جرائمه، سواء في حربه على اليمن، أو في خطفه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، أو اعتقاله رجال الأعمال في فندق الريتز كارلتون وسرقة أموالهم، أو خطفه بعض الأمراء رافضي نهجه وأسلوبه المتعجرف. فخطف (وقتل!) صحافي بوزن جمال خاشقجي، وعلى أرض أجنبية، بهذه الطريقة المكشوفة، يمثل قمة التهور والحماقة والاستخفاف بردود الفعل عليها.
وأغلب الظن أن تورط بن سلمان في جريمة اختطاف خاشقجي (وقتله!) سوف يفتح عليه، وعلى المملكة، باباً واسعاً من الضغط والابتزاز، من أميركا وغيرها. كما أنه سيعزّز صورته شاباً مراهقاً وأحمقاً، يستخدم البلطجة والإجرام للتعاطي مع مخالفيه، وليس شخصاً مسؤولاً يمكن أن يصبح ملكاً لبلد استراتيجي ومهم كالسعودية. وربما تكون حياة خاشقجي القشة التي سوف تقصم ظهر البعير.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".