وردة عيد الأم

23 مارس 2018
الوردة الجميلة ليست لنا، وإنما هي لزوجاتنا (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل أسبوعين، فاجأتنا إحدى الزميلات بتوزيع باقات زهور جميلة على الزميلات في مكتبنا بمناسبة "يوم المرأة العالمي"، وقالت حينها، إنها "تعبير من المؤسسة عن الامتنان لهن في يومهن".

كانت اللفتة لطيفة وتستحق الإشادة، إلا أنها أثارت بعضاً من الامتعاض المكتوم في نفوس الزملاء الرجال، أو بالأحرى معظمهم، لكن أحداً لم يعلن امتعاضه خشية تسليط سيف العداء للنساء المشهر عليه، وهو أمر شائع في كثير من المجتمعات والمؤسسات التي تدعو إلى التحرر والإنصاف، بينما هي في الواقع غير بريئة من التمييز.

ليس للرجال يوم عالمي، وكذا لا يملكون حالياً انتقاد تمييز النساء بتخصيص أيام ومناسبات عالمية. الحجة الرائجة أن العالم تحكمه النظرة الذكورية، وأنّ الرجال تسلطوا على النساء على مدار التاريخ، وتلك المناسبات تم تدشينها لمنح النساء حقوقهن الضائعة والتي يُتهم الرجال عادةً بتضييعها.

قبل يومين حلت مناسبة "عيد الأم"، وفاجأتنا زميلة أخرى بتوزيع نبتة صغيرة تحمل زهرة رقيقة مرفقة بكلمات ثناء على الزميلات العزيزات للمرة الثانية خلال الشهر نفسه.

ترددت همهمات الرجال مجدداً، وكشف بعضهم على استحياء الامتعاض الذي كتمه في يوم المرأة بإشارات وحركات مفادها: أهلاً بحقوق النساء. لكن لا ضير في شيء من الاحتفاء بالرجال!

بعد دقائق عادت الزميلة نفسها، في مفاجأة ثالثة، لتوزع على الرجال، وهم الأغلبية في المكان، زهرة أنيقة مغلفة بشريط وردي.

لم يفهم كثير من الزملاء الأمر، وظنوا أنّه جاء رداً على همهماتهم وامتعاضهم من تكرار الاحتفاء بالمناسبات النسائية.

لكنّ الزميلة لم تترك مجالاً طويلاً للتوقعات والاستنتاجات، وعاجلتنا بأنّ الوردة الجميلة ليست لنا، وإنما هي لزوجاتنا، فانفجرت الهمهمات التي كانت مكتومة، وسمعت بعض التعليقات على إشارتها المباشرة إلى واقع تجاهل غالبية الزملاء، أو عدم انتباههم في الأصل، لفكرة شراء الورود لزوجته.

لا أشكك في أنّ الزميلة على حق، فالغالبية العظمى من الزملاء أحرص على شراء الخبز والحليب والبيض، وعقول الرجال تفضل شراء اللحوم دائماً على اقتناء الزهور، على الرغم من علم بعضهم أنّ عقول معظم النساء على العكس من ذلك تماماً.



بعد مغادرة الزميلات المكتب مساء، بات حوار الرجال أكثر تحرراً كما جرت العادة يومياً، فقال أحدهم إنّ زوجته قد تتهمه بالجنون إن دخل المنزل ليلاً حاملاً وردة، وليس ما طلبته منه من مستلزمات، وقال آخر إنّ الوردة ربما تسهم في تحسين علاقته الحميمة بزوجته، فردّ ثالث متهكماً: يبدو أنّ بعض الزملاء لن يحضر غداً بسبب وردة عيد الأم، لينفجر الجميع في ضحك طويل.
المساهمون