واقتربَت الحَمْلَة

17 فبراير 2015
+ الخط -

في وسط المدينة، وفي إحدى الساحات المركونة بجوار الأسواق الشعبية، تستوطن خيمة، تخرج منها أصوات تنادي.."يا مواطن، يا مواطنة، سجل(ي) نفسك(كِ) في اللوائح الانتخابية، تضمن/تضمنين صوتك في الانتخابات".
الناس يبدو أنهم لم يأبهوا لتلك الرسالة، فاليوم، لا صوت يعلو فوق صوت العروض المغرية، خصوصاً الرخيصة منها، "الريكلام" في كل مكان، من الأحذية إلى القبعات، ومن الملابس الخارجية، إلى المستلزمات الداخلية.
بجوار الخيمة، تنتصب واحدة أخرى، باللون والشكل نفسيهما، لكنها أكثر اغراء، وجذباً من الأولى، الأمر يتعلق بإحدى ماركات الشوكولاتة، تود أن تستطلع أذواقنا حول منتوجها الجديد، وبالمجان، هذه الأخيرة، حينما نُطِقَت، وصلت، بسرعة البرق، إلى القاصي والداني، ومن كل فج عميق، حج الزوار ليتذوقوا سر وحلاوة، حلويات سوداء، وعلى الرغم من أن بعضهم لم يضع في معدته كسرة خبز يتيمة، إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يستجيب لمقولة الملكة ماري إنطوانيت التي قالت:"إذا لم يكن هناك خبز للفقراء، دعهم يأكلون كعكا". ربما كانت محقة، لأننا حتى واِن كنا جائعين، لا شيء يضاهي كعكة الشوكولاته، المهم أن تكون "فابور" وبالمجان.
بجوار الخيمة، أيضا، تحتل شركة شقيقة أخرى مكاناً لها في الساحة، لكنها مختلفة، مميزة، وتلعب على وتر ما يهواه المتلهفون، بطاقات هاتف خلوي بالمجان، تتضمن مكالمات هاتفية، ورسائل قصيرة، والإنترنت، مدة سنة فقط سجل معنا، عن طريق بطاقة التعريف الوطنية (بطاقة الهوية الشخصية).
الكل يتحدث عن تلك البطاقة، والكل يتحسس جيبه بحثاً عنها، أين هي يا ترى؟ أين رميتها؟ أين وضعتها؟ في الجيب؟ أم في المحفظة؟ في الدولاب؟ أم في الثلاجة؟ الكل أحس بذاك الإحساس، وبتلك اللحظة التاريخية. الكل يبوح لقرارة نفسه "وأخيراً، صرت مواطنا حقيقيا، بفضل هذا العرض المجاني".
الصوت ما زال ينادي. لكن، هذه المرة، بنبرة حنونة، تستميل وتطلب ود الناس. الآن، الكل يتجمهر ويتسابق نحو الخيمة المهجورة، وفيها يستمع الجماهير.
"سيدي(تي) العزيز(ة)الكريم(ة)،سيدي(تي) المواطن(ة)،ليكن في علمك(كِ) أننا دوماً سنظل أوفياء لكم، نحن نحبكم، أنتم دوماً في صلب اهتماماتنا. حزبنا سيحقق أحلامكم، حزبنا سيوفر لكم وظيفة الأحلام، في الدولة، وليس في القطاع الخاص، ستعملون فيها معززين مكرمين، مُبجلين ومحترمين. وبأقل الأسعار، وبدعم من الدولة، سنوفر لكم سكناً لائقاً. أخي المواطن، أختي المواطنة، نحن كذلك سنوفر لأبنائكم تعليماً راقياً، يرتقي بمستوى فلذات أكبادكم، ستقولون لنا إننا سنرميهم في رصيف البطالة. لا، حزبنا سيضمن لأولادكم مستقبلا باهراً، وسنفتح لهم أبواب الجنان.
وسط زحام الاصوات والاصداء، صوت آخر ينادي الجماهير، يستميل، لكنه لا يتوسل، بل يدغدغ أنين الأمعاء الخاوية.
"مرحباً بك، أيها المواطن الكريم، تفضل. ستجد في خيمتنا ما لذ وطاب من مأكولات. كُلْ واشْرَب ولا تخجل، فقط سجل، ولا تتردد، واعلم أن صوتك أمانة، والمسار الديمقراطي رهين بك".

106CCB24-5626-4D9D-AE64-7CE670635586
106CCB24-5626-4D9D-AE64-7CE670635586
سعيد ولفقير (المغرب)
سعيد ولفقير (المغرب)