المغاربة متفائلون وسعداء
كشفت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب الأميركية أن" المغاربة من أكثر عشرة شعوب في العالم سعادة وتفاؤلاً. "تفاؤل" مغربي يزاحم أضواء شعوب تعرف قسطاً من البؤس والفقر والحروب، مثل أفغانستان وباكستان ودول إفريقية ولاتينية. الغريب في الأمر أن شعوباً تدخل في خانة الدول المتقدمة والغنية تتذيل لائحة المؤشر، مثل فرنسا التي صنفت من أكثر البلدان تعاسةً وتشاؤماً. فهل فعلاً نحن سعداء، أم نحن نكذب على أنفسنا، فنداري، قدر الإمكان، على حقيقتنا القاتلة، كما وصفها الفيلسوف نيتشه.
على ما يبدو، قد تنطبق علينا مقولة الشاعر البريطاني، جورج غوردن بايرون، "المتفائل يرى ضوءاً غير موجود، والمتشائم يرى ضوءاً ولا يصدقه". ربما نحن المغاربة (شأننا شأن كل الشعوب "السعيدة" المطحونة في أمرها) نرى ضوءاً، بل وتخيلات طوباوية غير موجودة، نحن الشعوب "السعيدة" البئيسة نتعايش مع البؤس، نصالحه مع كل صباح مع الزيت والخبز المحروق، نضحك معه برشفة شاي مُرّة، ونسلم عليه، مجبرين مع فاتورة كريديهات لا تنتهي. نحن المحرومين من فيتامينات العز والفخفخة. ينصحوننا، ليل نهار، بالعدس واللوبيا، لأنها غنية بالألياف، وتجلب لصاحبه سعادة مسطحة، تنتفخ أمعاؤنا بالمياه الطالحة للشرب، ننسى الألم بامتصاص سيجارة رخيصة، نسخر من بؤس حياتنا بأتفه نكتة، لعلها تمسح نفايات الشقاء. بسذاجتنا الواعية، نحب ما تعرضه الشاشة، نضحك حتى البكاء على كوميديا سخيفة، لا تبدع سوى في الاستهزاء من عاهاتنا الجسدية. نعرف أنه من الغباوة بما كان أن يتزوج البئيس "السعيد" بنت "الفشوش". نعرف أننا لن نجد وظيفة بسهولة الأفلام، نعرف أننا ولو بعنا "حلالاً" البطاطس والنعناع، فلن تجلب لنا الثروة، ما عدا إن أضفنا لها قليلاً من ملح "الحرام". نحن من حقق أعلى نسبة مشاهدة لمسلسلات "دالاس" و"نور" و"سيدة المزرعة"، لأننا فقط كنا نريد أن نسكن مع هؤلاء "السعداء" الأغنياء، "النايس بيبول"، ولو لحظات.
نحن أولاد "الحثالة"، لا نستحق سوى هذا التعليم، نحفظ ما نجهله، ونجهل ما نحفظه. نحن الأبرياء، أطفال "المستنقعات"، نستمتع بعطلتنا المدرسية في السباحة. في "المنتج الترفيهي السياحي الدولي". في الواد الحار المجاور لمنازلنا. نحن دوماً، كنا ولازلنا وسنظل، المشجع، الراعي الرسمي للمنتخب الوطني، مهما كانت هزيمته المعتادة، خسارةً أو انتصاراً وهمياً.
نحن من يدفع الضرائب أولاً بأول. نحن من يدفع فواتير الكهرباء والماء الطالح للشرب شهراً بشهر. نحن من أثرى شركات الإفلاس. نحن من يزيد من معدل النمو الاقتصادي. نحن من يهرب قدر الإمكان من واقعهم عند أقرب بار رخيص، أو تحت الحيطان البالية، نحن من ضاعت أوراقهم الثبوتية. نحن من انتهكت كرامتهم في الحافلات. نحن من تُسْرَقُ منهم أعضاؤهم الحيوية. قلوبهم وفلذات أكبادهم في مستشفيات لاعمومية، نحن من في الفيضانات، كما في الزلازل، تسقط عليهم ممتلكاتهم إرباً إرباً فوق رؤوسهم، وهم يصيحون "لنا الله يا وطن".
نحن من سخر منا الفنان الراحل، سعيد صالح، بمقولة "يا متعلمين.. يا بتوع المدارس". ندرس حتى ننال شهادات عليا، وفي الأخير، نرضى بالقسمة والنصيب مع مهنة مهينة (أحسن من التشوميرا). نحن من ليس لهم الحق في أن يبدع، يطمح، ويطمع بفتافيت أحلام صغيرة. نحن من ليس لهم الحق في التفكير. لك الحق في أن تأكل وتشرب، وتمارس حياتك الطبيعية مع المدام. لكن، لا تفكر. الفكر بدعة، والبدعة ضلالة، والضلالة في هناك، في مكان لا تعرفه.
نحن من هلل للاستقلال والوطنية. ناضلنا بعناد مع أحلام الاشتراكيين، رحبنا بالرأسمالية وصوتنا للإسلامية. وفي الأخير، أدركنا أن وعودهم المعسولة كانت مجرد نص إنشائي، لا يكتبه حتى تلميذ الرابعة ابتدائي. نحن من يريد فقط كرامة وخبزة، وكفانا من حلويات الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وهلم شعارات. نعم نحن "سعداء" و"متفائلون"، وهذا ما نستتثمره في تداولات بورصة الأمل. هذا ما نودعه في بنوك القناعة، هذا ما نملكه من سندات وحصص سمينة في شركات الصبر، ولو أنه "للصبر حدود"، كما صرخت أم كلثوم، قد يتحول إلى ضجر وحنق، قد ينقلب عليكم يا مسؤولين.. يا أصحاب السعادة والمهابة، احذروا، احذروا من يوم قد يكون فيه الشعب متشائماً، تعيساً، يرى ضوءاً، فلا يصدقه.