وأعرب محللون أمنيون أميركيون، مختصون في قضايا المنطقة العربية عن ارتياحهم للعملية الانتقالية السليمة في السعودية، من جيل أبناء الملك عبد العزيز إلى جيل الأحفاد، بعيداً عن الهزات غير المتوقعة. ورأت مصادر أميركية متعددة، في تلك القرارات "خارطة طريق لاستقرار الحكم في السعودية لسنوات، وربما لعقود قادمة". وكان القلق يسود في واشنطن من تطورات الأوضاع في السعودية، في اتجاه عدم الاستقرار، بحكم تقدم الملك الراحل وولي عهده في السنّ، وغموض دور هيئة البيعة.
وعلمت "العربي الجديد"، أن "المؤسسات الدفاعية والدبلوماسية الأميركية بمختلف مستوياتها، قد أنشأت خلال السنوات الماضية، أقساماً مختصة بالشأن السعودي، وشكّلت مجموعات عمل متفرغة، لدراسة وتحليل قضايا السعودية، وعلى رأسها سيناريوهات انتقال السلطة من جيل الآباء إلى جيل الأبناء".
كما أفردت دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، مساحات واسعة من اهتماماتها لمتابعة الوضع الأمني الداخلي في السعودية. وعلى مدى ما يقارب سبعة عقود، اعتبرت الولايات المتحدة، أن استقرار السعودية من أبرز عوامل الاستقرار العالمي، باعتبارها ثاني أكبر منتج ومن أكبر الدول المالكة لاحتياطي النفط في العالم.
ولكن دوائر التحليل الاستراتيجي الأميركية، تضع في حساباتها دوماً، وجود احتمالات إيجابية وأخرى سلبية، أو سيناريوهات متفائلة وأخرى متشائمة، إلى درجة أن بعض المحللين "المتشائمين"، توقعوا تقسيم السعودية في أي لحظة من لحظات الخلاف على استحقاقات انتقال العرش.
وعادة ما يشدّد المسؤولون الأميركيون دوماً على أن تقسيم الدول وتفتيت المجتمعات، ليس من أولويات السياسة الأميركية، أو من الخيارات المطروحة للنقاش من حيث المبدأ. وبغضّ النظر عن حقيقة النوايا الأميركية تجاه السعودية، فإن قرارات الملك سلمان الأخيرة، جعلت أي سيناريو يعتمد على الخلافات داخل العائلة السعودية كأنه لم يكن، وأصبح من الصعوبة اعتماده وسيلة لزعزعة استقرار السعودية أو تقسيمها.
وبحكم المكانة التي يتمتع بها الملك الجديد، والدور المنوط به كمرجع حكيم لحلّ القضايا الخاصة بالأسرة، فإن اختياره ولياً للعهد، ثم ملكاً للمملكة، لم يفاجئ الأميركيين، ولم يخرج عن سياق ما رسمه الملك الأب المؤسس عبد العزيز.
لكن نقطة التحول المفاجئة التي اعتبرها الأميركيون "جريئة وتاريخية" في قرارت الملك الجديد، تكمن في تحديد هوية الرجل الثالث، بعد أبناء عبد العزيز، ليكون الرجل الثالث بعد الملك وولي العهد في سلم انتظار الحكم. وكان هذا التحول الجريء قد بدأه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، بتحديد موقع جديد يمدد من سنوات الاستقرار، ويقلّل من احتمالات الخلاف، وهو موقع ولي ولي العهد، أي الرجل الثالث في هيكلية الحكم.
واختار الملك عبد الله حينها، أخاه الأمير مقرن بن عبد العزيز، الابن الخامس والثلاثين للملك عبد العزيز، وأصغر أبنائه الأحياء، ليكون مقرن في حال توليه الملك، آخر الملوك من أبناء مؤسس المملكة. وقد مهّد الملك عبد الله الطريق بذلك أمام انتقال العرش إلى الجيل الثاني، أي من الآباء إلى الأحفاد.
وكانت المفاجأة في اختيار محمد بن نايف، أن الملك سلمان لم يؤثر أحداً من أبنائه ليختاره في هذا الموقع، ولأحدهم، الأمير فيصل بن سلمان، روابط قوية مع دوائر صنع القرار في واشنطن، كما يحظى بقبول كبير في بريطانيا والدول الغربية الأخرى، بسبب ما عُرف عنه من اعتدال ومدنية ونبذ للتطرف.
ويحمل اختيار محمد بن نايف، دلالة كبيرة لقوى الداخل والخارج، في أن "الحفاظ على استقرار السعودية لسنوات آتية"، هو الهدف الأساس. وتفيد المصادر الأميركية، أن "السمات الخاصة بمحمد بن نايف، ساعدت الملك سلمان والدائرة المقرّبة منه على تمرير القرار بسلاسة، رغم حساسيته والخطورة الشديدة على مستقبل بلد بأكمله في حال عدم قبوله".
ونال اختيار محمد بن نايف استحسان الأسرة السعودية، باعتبار القرار تعويضاً معنوياً مجزياً لوالده الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي لم يسعفه القدر هو وشقيقه الراحل أيضاً سلطان بن عبد العزيز، في تولّي العرش السعودي. أما في الولايات المتحدة والغرب فإن اختياره طمأن الأميركيين وأشعرهم بالتفاؤل بمستقبل مستقر للسعودية. وتناقل الإعلاميون الأميركيون، الوصف الذي أطلقته شبكة "إم إس إن بي سي" على محمد بن نايف، وهو "جنرال الحرب على الإرهاب"، حتى أن مسؤولين أميركيين وأوروبيين، شددوا أن ولي ولي العهد هو "قائد أكثر العمليات الفعّالة لمكافحة الإرهاب في العالم".