كشف مسؤولون حكوميون وقادة سياسيون عراقيون في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن تحركات استباقية أميركية تجريها قيادات عسكرية وأطراف في وزارة الخارجية الأميركية من واشنطن، وكذلك السفارة الأميركية في بغداد، نحو قيادات سياسية عراقية شيعية، لمنع أو عرقلة خطة توافقية سابقة بين تحالف "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر، وتحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيا "الحشد الشعبي" الموالية لإيران، بزعامة هادي العامري، تتضمّن تقديم مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية كافة من العراق في منتصف 2019، خصوصاً الجيش الأميركي، والتصويت عليه داخل البرلمان وإلزام الحكومة الجديدة بتنفيذه.
وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن الصدريين وتحالف "الفتح"، بزعامة العامري، بدعم من كتل مثل حزب "الفضيلة" و"دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، متفقون على مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية من العراق بحلول منتصف العام المقبل، وهو بند توافقي بين الجانبين، من ضمن حزمة اتفاقات جرت خلال مشاورات تشكيل الحكومة، التي جرى التوافق خلالها على مرشح التسوية عادل عبد المهدي. وأكد أن مشروع القانون سيقدم بعد مباشرة حكومة عبد المهدي عملها رسمياً، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة تصريف الأعمال، حيدر العبادي، كان قد لعب دوراً في عرقلة أي إجراء ضد القوات الأجنبية، وأرسل تقارير للبرلمان العراقي والكتل السياسية تتحدث عن خطورة إخراج القوات الأميركية من العراق، وأن الوضع هش، وهناك إمكانية لأن يتحول العراق إلى ساحة لتصدير المشاكل من دول الجوار ودول أخرى، وأن الوجود الأميركي عامل حماية للعراق. واعتبر المسؤول أن هناك صحة كبيرة في تقارير العبادي كونها تعتمد على واقع ميداني بالعراق وذات أبعاد سياسية، لكن على الأغلب فإن القانون سيمرّر في البرلمان لصالح إخراج القوات الأجنبية، ويبقى الموضوع مدى تجاوب الحكومة في تنفيذه أو المماطلة به. ووفقاً للمسؤول فإن الأميركيين يتحركون باتجاه مفاصل قيادية شيعية مهمة بالعراق لترتيب أوراقها مجدداً، بعد فشل جهود دعم العبادي لولاية ثانية، أو إبعاد الكتل الموالية لإيران، وأبرزها "الفتح" و"دولة القانون"، في نيل مواقع متقدمة في الحكومة الجديدة.
وفي السياق، تشير تسريبات من النجف إلى أن أبرز الذين يقفون وراء مشروع القانون، الذي يعكف على إعداده مستشارون وقانونيون ونواب سابقون، هم التيار الصدري وتحالف "الفتح" بفروعه المتعددة، مثل "بدر" و"حركة صادقون" وكتلة "دولة القانون" وحزب "الفضيلة" و"حركة عطاء" وكتلة "كفاءات"، تُضاف إليها أصوات نواب سنة وأكراد معروفون بقربهم من إيران. وبحسب التسريبات التي حصل عليها "العربي الجديد"، فإن "مشروع القانون يستند إلى البند أولاً والمادة الخامسة من الدستور النافذ في البلاد، الذي يقول إن العراق دولة مستقلة ذات سيادة تامة على أراضيها، وأن الجيش العراقي هو المسؤول عن أمن ترابه وسمائه ومائه". وينص مشروع القانون على إخراج القوات الأجنبية كافة من العراق، بما فيه إقليم كردستان العراق، ودعم القوات العراقية، وتشكيلات وزارة الداخلية النظامية وفصائل "الحشد الشعبي"، وتعزيز قدرات سلاح الجو وبناء منظومات دفاع جوي قادرة على تأمين البلاد، وتوقيع اتفاقيات عسكرية للدفاع مع دول الجوار ودول صديقة، من دون أن يتم ذكرها، وهو ما قد يخرج الولايات المتحدة من هذا الوصف بحسب الكتل السياسية القريبة من إيران.
وأكد النائب عن تحالف "سائرون"، المنضوي في تحالف "الإصلاح"، أسعد عبد السادة، أن البرلمان عازم على إخراج القوات الأميركية من العراق. وأوضح عبد السادة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية عراقية يوم السبت الماضي، أن "مجلس النواب الجديد سيعمل على إخراج القوات الأميركية من العراق، ويكمل ما طالب به مجلس النواب في الدورة السابقة"، في إشارة إلى قرار برلماني سابق يلزم رئيس الوزراء بتحديد جدول زمني لإخراج القوات الأميركية من العراق. وشدد على أنه "لا يمكن قبول أي قوة غير عراقية بعد الآن، ولا يوجد شيء ملموس من قبل العبادي أو جهة عسكرية تثبت أن القوات الأميركية الموجودة في العراق تعمل على تقديم المشورة. وأوضحت النائب عن "الفتح"، انتصار الموسوي، أن إخراج القوات الأميركية من العراق يُعد من أولويات تحالفها خلال الفترة المقبلة. وقالت، في بيان الأسبوع الماضي، إنها تدين "النهج الأميركي ضد فصائل المقاومة" في العراق.
وحول ذلك، يقول الخبير بالشأن السياسي العراقي، لقاء مكي، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حظوظاً لإمكانية تمرير القانون، بسبب وجود عدد جيد من أعضاء البرلمان ممن يؤيدونه حتى الآن. صحيح أنه لا يمثل النصف زائد واحد لكنه يقترب منه". وأضاف "أعتقد أن بعض الأصوات العربية السنية والكردية قد تؤيد هذا القانون لاعتبارات تتعلق بخيبة أمل كثير من الأطراف العراقية بقدرات الولايات المتحدة في العراق وفشلها في مواجهة الأجندة الإيرانية". وتابع "إيران نجحت في تحديد شكل الحكومة العراقية الجديدة، وربما تكون قد قدّمت بعض التنازلات، لكن هذه التنازلات لا تغير من واقع حال السيطرة الإيرانية الكاملة على مراكز السلطة والنفوذ في العراق". وأكد أن "الولايات المتحدة لم يعد لديها الكثير لممارسة الضغط على الأطراف العراقية، وأصبح معروفاً أنها لا تستطيع تنفيذ ما تعد به دوماً، كما أنها لا تمتلك أوراقاً حقيقية في العراق كي تناور أو تضغط بها، لذلك فقد تميل بعض القوى السنية والأكراد إلى التصويت لصالح القرار إرضاءً لضغوط أو إغراءات إيرانية". وتابع "مثل هذا القرار، في حال صدوره، سيكون ضربة جوهرية للاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فرغم قلة عدد عناصر الجيش الأميركي في العراق (نحو 12 ألف عسكري)، إلا أن الأمر سيكون معنوياً تماماً، وفي سياق الحملة ضد إيران سيكون له أكثر من معنى، وسيؤكد أن الولايات المتحدة لم تتمكن من بناء استراتيجية مواجهة حقيقية ضد إيران".