وخرقت قوات النظام اتفاق هدنة كانت قد أبرمته فصائل المعارضة معها أواخر العام 2015. ووفقاً لناشطين، قطعت قوات النظام، منذ صباح يوم الأحد الماضي، الطرق المؤدية إلى قرى الوادي، مشيرين إلى أنها منعت المدنيين من الدخول أو الخروج منها، بالتزامن مع قطع كامل للتيار الكهربائي والاتصالات.
وأفاد ناشطون بأن قوات النظام بدأت باستهداف المنطقة بقذائف المدفعية والهاون والرشاشات الثقيلة، والقناصات، متخذةً من انفجار خط مياه بردى المغذي للعاصمة دمشق ذريعة لمحاصرة المنطقة والتعرض للمدنيين.
ونفى مدير المركز الإعلامي في وادي بردى، أبو محمد البَرَداوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما ذكرته وسائل إعلام تابعة للنظام عن قيام فصائل المعارضة السورية المسيطرة على قرى الوادي بتفجير خط المياه، مشيراً إلى أن انفجاره "جاء نتيجة الضغط الزائد، والتصدعات التي سببتها القذائف والصواريخ التي تعرضت لها قرى وادي بردى خلال الأيام الأخيرة من قوات بشار الأسد وحزب الله".
وأشار البرداوي إلى أن فصائل المعارضة استخدمت المياه كورقة ضغط على النظام منذ نحو عام لإيقاف حملاته العسكرية الشرسة على المنطقة، لكنها لم تقدم على تفجير الخط، لافتاً إلى أن الغارات الجوية المتكررة بالبراميل المتفجرة كانت وراء حدوث تصدعات أدت في النهاية إلى انفجاره.
وتضم منطقة وادي بردى، التي تقع إلى الشرق من سهل الزبداني بنحو عشرة كيلومترات، العديد من القرى التي كانت قبل الثورة مقصداً سياحياً، وهي: بسيمة، وعين الفيجة، ودير مقرن، وإفرة، وهريرة، وكفير الزيت، ودير قانون، والحسينية، وكفر العواميد، وبرهليا، وسوق الوادي.
وأفاد البرداوي بأن نحو 125 ألف نسمة من سكان الوادي لا يزالون فيه، مشيراً إلى أنهم يعيشون ضمن ظروف إنسانية "صعبة للغاية". وأوضح أن "الخوف بدأ يسيطر على نفوس هؤلاء المحاصرين، وباتت لديهم خشية واضحة من تكرار سيناريو حصار مضايا والزبداني والذي لا يزال مستمراً منذ أواخر العام الماضي، وأدى إلى حدوث كارثة إنسانية بقيت لفترة طويلة حديث الإعلام في العالم.
وبدأت قوات النظام إلى جانب حزب الله، يوم الأربعاء الماضي، حملة عسكرية لاقتحام قرى الوادي، فسيطرت على أجزاء من قرية هريرة القريبة من بلدة مضايا، بعد تكبدها خسائر فادحة على يد قوات المعارضة. وأشار ناشطون الى مقتل نحو 40 من قوات النظام، بينهم ضباط، فضلاً عن أربعة عناصر من حزب الله.
وكان مقاتلو المعارضة فرضوا سيطرتهم على قرى وادي بردى في العام 2012، الأمر الذي دفع قوات النظام إلى تشديد قبضتها على وادي بردى. كما عززت ترسانتها العسكرية حوله بالأسلحة الثقيلة كونه يعد أحد ممراتها من دمشق إلى مناطق القتال في مناطق القلمون، كما يشكل الخاصرة الشرقية لمنطقة الزبداني الاستراتيجية التي كانت ولا تزال ممراً لشحنات السلاح من سورية وإيران إلى حزب الله في لبنان.
يقول الصحافي محمد رابعة، أحد أبناء الوادي، لـ"العربي الجديد"، إن "جيش النظام لم يتمكن من السيطرة على وادي بردى نتيجة استبسال المعارضة في الدفاع عنه، لكنه لجأ إلى تكتيكات فرض نقاط تفتيش عسكرية على جميع الطرق المؤدية إلى وادي بردى، واعتقال المشتبه بأنهم من المقاتلين وأقاربهم، فضلاً عن المدنيين بشكل عشوائي".
وأشار رابعة إلى وجود وحدات عسكرية رئيسية في جيش النظام تعمل في وادي بردى، هي: اللواء 13، واللواء 104 حرس جمهوري. وينتشر عناصر اللواءين على قمم التلال والمرتفعات المحيطة بالوادي، موضحاً أن قوات من لواء 105 حرس جمهوري، وما يسمى "الكتيبة الانتحارية" في المنطقة، موجودة على أطراف الوادي. ولفت إلى أن قوام الأخيرة آلاف عدة من العناصر، وتتبع للفرقة المدرعة الرابعة التي يقودها فعلياً ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار الأسد، وتعد من أشرس الفرق في جيش النظام، وارتكبت العديد من المجازر في ريف دمشق، ومناطق أخرى في سورية منذ العام 2011 الذي شهد انطلاق الثورة السورية.
كذلك تشكّل منطقة وادي بردى أهمية كبرى لقوات حزب الله، كونها تتاخم مناطق نفوذه داخل الجغرافيا اللبنانية، وهي الممر من سهل الزبداني إلى منطقة القلمون الغربي، وفق المحلل العسكري فايز الأسمر. وأشار الأسمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قرب منطقة وادي بردى من العاصمة دمشق يعطيها أهمية للنظام الذي يحرص على تأمين محيط العاصمة من كل الجهات، إضافة إلى كونها منبعاً لمياه العاصمة. وبحسب الأسمر، تحاول قوات النظام وحزب الله انتزاع السيطرة عليها كي لا تبقى المياه ورقة ضغط بيد فصائل المعارضة تمنعه من المضي في قضم المزيد من الجغرافيا في ريف دمشق الشمالي الغربي. ولفت الأسمر إلى أن المدافعين عن منطقة وادي بردى "هم جميعاً من أهلها". وأوضح أن طرق الإمداد العسكرية إليهم مقطوعة تماماً، ما يزيد العبء عليهم أمام القوات المهاجمة التي تتبع أسلوب "التوحش والبطش بالمدنيين"، وتستخدم سلاح الطيران في القتل والتدمير.
ووفقاً للأسمر، فإن قوات النظام وحزب الله تعمل على حصار المنطقة "لفرض تسويات وهدن" على قوات المعارضة لإخراجها من المنطقة، كما فعلت في العديد من المناطق السورية.