هيبو واردر.. حيث لا مهرب من الماضي

18 مارس 2017
(هيبو واردر، تصوير: أليشيا كانتر)
+ الخط -

يأتي ترشيح كتاب "إقطعي"، مذكرات الناشطة الصومالية هيبو واردر، ضمن القائمة الطويلة لترشيحات جائزة "أورويل" التي تحمل اسم صاحب "1984"، ضمن قائمة جلّ مواضيع الكتب فيها عن السلطة والمهاجرين وانسحاب بريطانيا من "الاتحاد الأوروبي".

مذكرات واردر تتناول عملية الختان التي تعرّضت إليها، فهي واحدة من أبرز الناشطات في مناهضة الظاهرة في بريطانيا، حيث ما تزال فئة من المهاجرين تحافظ عليها كتقليد شبه مقدّس فشلت الحملات والقوانين البريطانية الصارمة في وضع حد له.

فحين تبلغ الفتاة البريطانية من أصل صومالي العاشرة، تُرسل إلى الصومال بحجّة الزيارة وهناك يجري ختانها. وتحاول المنظمات النسوية وضع حد للظاهرة من خلال توظيف كوادر من داخل مجتمعات المهاجرين أنفسهم. والهدف ليس استقصاء الحالات أو الإبلاغ عنها، بل العمل على تغيير الثقافة نفسها، التي تؤدي إلى الاقتناع بضرورة الختان، وفي هذا السياق تعمل واردر.

تقول صاحبة المذكرات في حوار أجرته معها صحيفة "غارديان" البريطانية، إنها كانت مهاجرة تحاول الهروب من مجتمعها الصومالي، شغلت نفسها بأمور كثيرة وجعلت علاقتها بالعائلات الصومالية محدودة جداً، وتقتصر على مشاكل مباشرة تعالجها في مكان عملها كمساعدة في إحدى المدارس.

ظلّ الأمر كذلك، إلى أن لجأت إليها فتاة في العاشرة سترسلها عائلتها إلى الصومال ليجري ختانها، وتشير إلى تلك الحادثة باللحظة التي اعترفت فيها لنفسها باستحالة الانسلاخ. حاولت واردر أن تكتب مقالاً عن عنف الختان، فقضت طيلة الليل تبحث في الشبكة الافتراضية عن شهادات واقعية، حين اقترب منها زوجها وواجهها "لماذا تبحثين في الإنترنت؟ لماذا لا تكتبين عن نفسك؟".

بدا الأمر بالنسبة إليها أنها إن هاجرت إلى بريطانيا وانعزلت عن المجتمع الصومالي فيها، فهي إذن قد هجرت ماضيها. تظاهرت كأن الواقعة لم تحدث وأنها لم تختن، وعتّمت ذاكرتها على التجربة وألمها، وفي إصرار على أنها نسيت بدأت تبحث عن تجارب الأخريات متجاهلة أنها واحدة من 200 مليون فتاة تعرضن للختان في العالم.

"إقطعي" هو مذكراتها التي تبدأ منذ أن كانت في السادسة، وتمّ اصطحابها مع شقيقاتها وبنات عمومتها إلى منزل صغير في أحد أحياء مقاديشو حيث أُجريت لهن العملية في الصباح الباكر، وبعد انتهائها وُصفن بالشجاعات، وتتذكر كلمة "إقطعي" التي سمعتها أكثر من مرة وعنونت كتابها بها، ورددتها لنفسها محاولة القطيعة مع الذكرى والألم؛ "تتزوجين وتتذكرين الألم، تمارسين الجنس وتتألمين، ثم يأتي الحمل والولادة فيصبح الألم أفظع. تسألين نفسك: طيب.. متى يتوقف الألم؟" تقول في لقطة من مذكراتها.

يشار إلى أنه ومع صعود أرقام الهجرة خلال الأعوام السابقة، وصعود تيارات اليمين في أوروبا معها، التي تجد في مثل هذه الممارسات براهين على استحالة إدماج المهاجرين في ثقافة المجتمعات الجديدة، تبدو العادات الاجتماعية المتعلّقة بالمرأة هي أصعب العادات التي يمكن التأثير فيها، إذ تعاني دول الشمال مثلاً من انتشار ما يسمى بـ "جريمة الشرف" بين مهاجرين منذ عقود طويلة من العرب والإيرانيين والأتراك. كذلك هو الأمر مع "تعدد الزوجات" التي تجد ألمانيا اليوم نفسها أمام معضلة يطلب فيها اللاجئ "لمّ الشمل" مع أكثر من زوجة واحدة، وهو أمر يخالف القانون الألماني.

دلالات
المساهمون