هواجسي لن تنتهي، لا هنا ولا هناك

12 سبتمبر 2015
+ الخط -

لا أعرف لما أجدني، هذه الأيام، منقادة إلى تفكير ملح بضرورة مغادرة مصر إلى إحدى الدول الأوروبية، إذ أنني، على مدار يومي، غارقة في الحديث الدائر عن اللاجئين، سواء في الإعلام العربي والدولي، أو على وسائل التواصل الاجتماعي، أو في اللقاءات مع الأصدقاء، أو في أسئلة الجميع ممن يعرفون أنني سورية عن اللاجئين والغرقى وأوروبا. تزيد في ذلك ردود الأفعال الأوروبية الشعبية والرسمية، ومع ما أقرأه وأتابعه من المزايدات والنصائح والإرشادات والتخوفات والإستنتاجات وطرق السفر والتهريب وآلياته وكلفته والمخيمات والإقامة والمساعدات والأوراق والصور، وكل ما يتعلق بموضوع اللجوء، صرت، فجأة، أشعر أن الجميع يتصرفون كما لو أن  سورية صارت في  قارة أوروبا، وأن من واجب أي مواطنٍ سوري صالح التفكير بالعودة إلى  الوطن الذي هو أوروبا. فجأةً، شعرت أن هذا واجبي أيضا، وأنني مدفوعة للعودة إلى حيث يوجد جميع من أعرفهم، وحيث يخطط الباقون للذهاب.

لهذا، بدأت أفند الأسباب الموجبة  التي من أجلها علي مغادرة مصر. لم تتغير هذه الأسباب تتغير منذ سنتين ونصف لي هنا، والتي كنت أتجاهلها، أصلاً، أو أجد لها منافذ للحلول، لكي أستمر على قراري في البقاء والعيش في مصر. ما الذي حدث، إذاً، حتى باتت فكرة اللجوء إلى أوروبا، والتي كنت أرفضها تماما تلح علي بهذه الطريقة، حتى أنني أخترع الأسباب لتبريرها وأتفاعل، نفسياً وعاطفياً وشعورياً، معها، بحيث تصبح مبرراتها هاجساً حقيقياً، وليس مجرد ادعاء؟ يقينا، ليست حالة قطيعية، وليست هي عدوى، ولا شعور بالغير، ولا محاكاة لسلوك الآخرين. القضية أعمق من هذا بكثير، فالحديث اليومي الدائرعن اللجوء واللاجئين يكشف عمق المأساة السورية، ويكشف تجذر حالة اليأس وفقدان الأمل لدى السوريين من العودة القريبة إلى سورية، أو من فقدان الأمان النفسي في دول الجوار والدول العربية (الشقيقة)، فهنا، في الدول العربية أو الدول القريبة، لا يوجد أي أمان للسوري المقيم، ثمّة سرعة هائلة بتغيير القرارات المتعلقة بنا، نحن السوريين، بحيث نصبح كمن وضب حقيبته ووقف عند باب الخروج، بانتظار أن يركله أحد ما خارجاً، فإن بقيت القرارات كما هي عليه أن يوطّن حياته على أنه لو حصل معه أي حادث طارئ، صحي أو غير صحي، فلا أمل لوجود أحد من عائلته حوله، فقرارات الدول العربية تمنع دخول السوريين، كل السوريين، نساءً ورجالاً وأطفالاً، ولكم أن تتخيلوا مقدار الخوف من الشعور المفاجئ بالوحدة في لحظات الضعف والمرض والعجز الشيخوخي، في بلاد لا تحترم الضعف، بل تنكل به وتنتقم منه. لكم أن تتخيلوا، أيضاً، ماذا يعني أن لا يحلم السوريون المقيمون في الدول العربية برؤية أقاربهم، أمهاتهم وآبائهم، إخوتهم، أبنائهم، لأن معظهم غير قادر على الذهاب إلى سورية، إو إلى باقي الدول التي ينتشر بها السوريون. سورية قد تقتلهم، والدول الأخرى ترفض إدخالهم. لن أتحدث، هنا، عما يعانيه السوريون في سورية، وعن إنسانية بحثهم عن مكان آمن لهم ولأولادهم، فهذا من غير اللائق أخلاقياً المزايدة به، وعليه، الحال الآن، أن البحر والغابات الواصلة إلى دول اللجوء تبدو الأمل الوحيد للجميع، للتخلص من كل هذه المخاوف، على الرغم من أن شبح الموت يرافقهم كل لحظة، لكنها المغامرة باتجاه الحياة، واللعب مع الموت لقهره، ينجح بها كثيرون ويصلون، ويفشل بها آخرون، لتبقى صور موتهم شاهدة على هذا العار التاريخي العربي والعالمي.

أفكّر بكل ما سبق في هذه الأيام، وفي داخلي ما يقول لي اذهبي معهم، لكنني، في لحظات الوعي، أدرك أن هواجسي لن تنتهي، لا هنا ولا هناك، وأن ما أعانيه خاص بي، كإمرأة خمسينية اختارت وحدتها بنفسها. لهذا، لن تفيدها أوروبا كثيراً، ولن تقدم لها ما تقدمه لغيرها، فأجلس وأهدأ وأتابع ما يحدث، ثم أقرأ خبرا عن الملياردير المصري ساويرس يعلن فيه رغبته بشراء جزيرة كبيرة للاجئين السوريين والعرب، وأفكر: لو أن أحداً يخبره أنني أتنازل عن حصتي في الجزيرة في مقابل شقة صغيرة وسط القاهرة. 

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.