24 ديسمبر 2016
هم في البحر الأسود.. ونحن في بحيرة البجع
رجا سليم
رجا سليم
صحافيَّة ومدوَّنة سوريَّة، درست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق. تعمل في إنتاج الأفلام الوثائقيَّة، وتقيم في مدينة هاليفاكس في كندا. تقول: "لا شيء يذكر... أكتبُ كي لا أقترفَ ذنوباً".
فتحت التلفاز فقالت السيّدة: "كان على متن الطائرة، أوركسترا الجيش الأحمر الروسية، كانت ذاهبة لتحيي ليلة رأس السنة للجنود الروس في سورية، فغرقت في البحر الأسود".
مؤكد أنكم سمعتم هذه الجملة في مكان ما، أخبر هذا، أم قصة ما قبل النوم؟.. هل قالت كان يا ما كان ولم أسمع؟
الطائرة.. لطالما استهوتني الطائرات، كانت مبعثاً للفرح. المسافرون دائماً سعداء (هكذا كنت أتخيلهم).
الأوركسترا: ما هو مقدار الغبطة التي يشعر بها الموسيقي؟ مجنّد برتبة موسيقي. هذه فنتازيا تغني الروح. لو أنني أجيد أيّا من أنواعها، لن أعتزل أبداً. سأعمل ساعات إضافية بدون مقابل.
رأس السنة.. في طفولتي كانت الليلة الوحيدة من كل سنة التي أرى فيها رجال العائلة يرقصون ويضحكون وكأنهم بشر عاديون، لتعود الوجوه العابسة لتسود المشهد باقي أيام السنة.
سورية.. كالطائرة والأوركسترا ورأس السنة، مُتخيّلة، مُشتهاة، ماضٍ، لم تعد كما كانت ملكية شخصية، متوفرة، وغير ملحوظة لوفرتها في اليوميات. كانت هي اليوميات.
البحر الأسود.. أتخيله بحيرة البجع، شكّلتها دموع أم الأميرة، ذرفتها حزناً على ابنتها التي حولها الساحر لبجعة. هذا ما قالته القصة. وقاله تشايكوفسكي مقطوعة موسيقية.
"لكثرة زبده سمي بالبحر الأبيض". و "المتوسط، لأنه يتوسط العالم". أي أن الغرقى الفارين من نيران الحرب، قضوا ليس بمنأى عن أية عين. لم ينقذهم بياضه ولم تشفع لهم وسطيته. كان طماعاً، متطرفاً في القسوة بدوره.
أسود، هذا البحر أسود. كل البحار سود، أحبها فقط من بعيد. أَحبّ البحار إليّ، الميت، هو ميت، لا أبيض ولا أسود. لا غرقى ولا ناجين. مكتفٍ بذاته. لا يطلب قرابينَ. أعماقه فارغة إلا من الملح.
الأوركسترا بعازفيها، مغنيها، راقصيها، وما كانت تحمل من موسيقى احتفال. غرقى في بحر كبير أسود. والجنود يترقبون الاحتفال.
أنا وأصدقائي اللامعدودون، غرقى في بحيرة صغيرة... صغيرة جداً. غرقى بدموعنا... نحن البجع... وأمهاتنا يترقبن احتفالاً.
دلالات
رجا سليم
صحافيَّة ومدوَّنة سوريَّة، درست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق. تعمل في إنتاج الأفلام الوثائقيَّة، وتقيم في مدينة هاليفاكس في كندا. تقول: "لا شيء يذكر... أكتبُ كي لا أقترفَ ذنوباً".
رجا سليم