عاطف نجيب... "عين" العدالة المفقوءة

24 ديسمبر 2016
+ الخط -
لا أعلم أين أنت اليوم يا عاطف. فخلافاً لما ظننت، أنت لم تصبح حديث الإعلام، والمجتمع الدولي، ومناصري حقوق الإنسان، والمحاكم الدولية.

بحثتُ عنك طويلاً. أنت شخصيّتي المفضلة والمثيرة للاهتمام منذ خمس سنوات. اسمحلي بالقول: وجودك خجول جداً في الفضاء الافتراضي، بل في أي فضاء آخر حتى.


اليوم، الثالث والعشرون من كانون الأوّل/ديسمبر. الساعة العاشرة صباحاً. الخريف، البيت الفارغ إلّا من الأثاث، الشهيق والزفير اللذان هرما باكراً في صدري، وباتا يتعثّران ببعضهما جيئةً وذهاباً لثقل وزنيهما، والمحيط الملاصق لنافدتي، كلهم مجتمعين، دفعوني للكتابة عنك.

صدقني ياعاطف، في "ويكيبيديا"، العربية والإنكليزية، لم أجد سوى ثلاثة أسطر يتيمةٍ تُعرَّف عنك، اسمح لي أن أشاركك أحدها، واضحك معي. إنه حقاً كوميدي: "تتهمه المعارضة السورية بإهانة مجموعة من وجهاء وأهالي مدينة درعا الذين قدموا ليطالبوا بإطلاق سراح مجموعةٍ من الأطفال الذين كتبوا عبارات مناهضة للنظام على جدار مدرستهم، والتي كانت بداية الثورة السورية". 

وجدت مقالات عنك لا يتجاوز عددها الخمس، باللغتين أيضاً، تقول ما تقوله عنك، ولاشيء يذكر، فلا تقلق. بالرجوع قليلاً إلى الأعلى، أرأيت "تتهمه"؟. من هنا سأبدأ.


كم أنت محظوظ يا عاطف (تلك هي أولى الصفات المقترنة بصورتك في مخيلتي)، والتي سأدحضها لاحقاً. تتّفِق معي أن "التهمة" أعلاه صحيحة، ويمكن اعتبارها لا شيء مقارنة مع تاريخك الحافل بالأمور المُثبَتة. دعنا نركز على تلك التهمة دون سواها، وعلاقتها بأنك محظوظ. خمس سنوات استنزَفَ فيها أبناء جلدتك (السميكة) حيواتهم بأفظع الطرق. ماتوا، هذا أبسط ما حل بهم.


أتتابع الأخبار؟ غير مهم. إن كنت تعيش في دمشق الآن فأنت في قلب الخبر، مع أني واثقة أنك بعيد عنه بقدر بعدي عنه تماماً. لكن بحكم الجغرافيا لابد أنك تشم رائحة الخراب من الباب المجاور، أقل ما يمكن. 

سأكون صريحة معك.

بالنسبة لي أنت مجرم كبير، ذو مكانة مرموقة جداً بين المجرمين السوريين، وأنتم جميعاً تنافسون عالمياً مع كبار الأكف السود، والصدارة لكم على مسؤوليتي.


من أنتم؟ 

قصدت محفل النظام السوري الكريم، لكني لست بصدد التحدث عن الآخرين، فهم لم يكونوا مغبونين على مدار الخمس سنوات الفائتة بقدرك يا عاطف، فاسمح لي، أنت موضوعي، والكتابة أهواء.


يا رجل، نثق كل الثقة أن أزلام النظام محميّون ومحصّنون ضدّ كل شيء، ضدّ القضاء والقدر حتى، لكن حظك يا عاطف غريب من نوعه؛ فسيادة الرئيس الذي لا نشكُّ للحظة بمرضه النفسي والعقلي وشخصيّته المهزوزة (إن وجدت)، لم يتّخذ بحقك أي إجراء بلحظة غضب، حتى ولو تمثيلية تشي بأنك في السجن مثلاً، أو أنك تعرضت للتوبيخ من سيادته، أو حتى أنه هددك إن ثبت تلطخ أيديك بالدماء فسوف لن يدعوك يا "خال" بعدها.


أبداً ياعاطف، وكأن شيئاً لم يكن، ها أنت ذا تجلس بهدوء، بعيداً عن صخب الحياة وضجيج السياسة، لا اجتماع خلية أزمة، ولا محاولة اغتيال فاشلة، ولا حتى أهزوجة في مظاهرة تشتم شخصك أو والدتك أو أخواتك، ما عدا عمتك "أنيسة"، وليس كونها عمتك، فاطمئنّ.


والله، أحياناً أشعر بالأسى لوضعك عاطف. نعم أنت محظوظ ولم يقل لك أحد "يا محلا الكحل بعينك"، ولكن "شي ومنّو"، تغييبك بهذا الشكل عن "بلاتّو القذارة" غير مقبول، وفيه شيء من الإجحاف بحقك. بماذا يتميز نصر الله أو بوتين أو الأخ النمر سهيل الحسن، عنك؟ صدقني أبحث عن حل لوضعك، أريد أن أعيدك إلى الواجهة.


آه عاطف، لو أنك تدراكت وضعك وأعلنت انشقاقك في ذلك الوقت، عندما كان لدى المعارضة الجميلة نوعٌ من التمثيل المقبول. يعني كان ظهورك على التلفاز منشقاً نادماً، زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى، سيحرك مشاعر المعارضة والمعارضين، وستحل أهلاً بين أصدقاء قدامى سبقوك لضفّة الزهد.


أما اليوم، فليس من السهل مساعدتك. لو أني كاتبة لها وزن، ربما كانت هذه السطور لتلقى وقعاً وتنتشر في الأوساط وتلقي عليك بعض الضوء.

 أنا أستقوي عليك من المنفى على فكرة، واحد صفر لك، لكن اسمع:

أنت وما فعلته في درعا يختصرُ شكل النظام ويعرفه.

أنت لم تخيّب ظن أسيادك، فعلتها كتلميذ نجيب.

أنت عاطف نجيب.. عين العدالة المفقوءة وأنا الدالة على الفاعلين.

دلالات
A21CDC28-CF2C-4FA1-A01C-B019D4A2E56B
A21CDC28-CF2C-4FA1-A01C-B019D4A2E56B
رجا سليم

صحافيَّة ومدوَّنة سوريَّة، درست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق. تعمل في إنتاج الأفلام الوثائقيَّة، وتقيم في مدينة هاليفاكس في كندا. تقول: "لا شيء يذكر... أكتبُ كي لا أقترفَ ذنوباً".

رجا سليم