هموم شعرية: مع نصيرة محمدي

07 مايو 2018
(الشاعرة)
+ الخط -

تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته، ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.


من هو قارئك؟ وهل تعتبرين نفسك شاعرةً مقروءة؟
- الشعر حياة لا تتأسّس إلّا في العزلة والهامش والصمت. الشعر هو ابن التأمّل ومكابدة الأسئلة العصية. لا شعر من دون هذا القلق الوجودي، ولا كتابة من دون السفر في أعماق الحياة وأقاصي الروح وتخوم الأشياء. قارئ الشعر لن يدخل هذا العالم وهو مجرّد من عينِه الحادة وحدسه الذي يفتح فضاءات لمعانقة لغة تمارس انقلاباتها الدائمة على نفسها، وعلى الجاهز والسائد. قرّاء الشعر يظلّون نخبويّين. هم المؤمنون حقيقةً به وبشعلته في الروح وفي العالم.
لا أعرف حقيقةً من هم قرّائي لأنني اهتممت دائماً بحريّتي وشغفي بالكتابة أكثر من أي نجومية أو جوائز أو شهرة. يعنيني هذا الارتباط بالباطن وبترحالي في اللغة وانغماري في كون منفتح على المباهج والجراح وعلى عرائي في المتاهات؛ حيث يكون الشعر عيناً ويداً وقلباً غارقاً في نزيف الكلمات.


كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلمين به لشعرك؟
- لا ناشر معيّناً لديّ، ولا مؤسّسات حقيقية تُؤمِن بالشعر. يحدُث أن تُنشَر أعمالي صدفةً، أو بطلب من أصدقاء يدفعون بنصوصي إلى الضوء. لديَ، أحياناً، إحساس بالعدمية واللاجدوى يجعلني بمنأىً عن كل الخطوات والطرق والإجراءات التي يقطعها الشعر ليكون في شكل كتاب يصل إلى الآخرين متعباً وشاحباً ومثقلاً بغبن الجهات والأطراف التي تتبنّاه صدفةً ليرحل إلى قرّاء محتملين. ما أفعله هو أنني أكتب وأغامر باتجاه الشعر، فمرّة أعود محمّلةً بالجواهر، ومرّات بعثرات وثقوب لا تملأها إلا الحياة والغرق فيها مثل عشّاق مجانين.


كيف تنظرين إلى النشر في المجلّات والجرائد والمواقع؟
- النشر في المجلات والجرائد والمواقع فسحةٌ ليتنفّس نصّك هواء الآخرين، ولتقتسم معهم هامشاً جميلاً منحوتاً من جسد الكلمات. الفن هو أجمل ما يمكن أن تتقاسمه مع الآخرين.


هل تنشرين شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترين تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- أنشر في الغالب، أنا وأصدقائي، مقاطع من نصوصنا لتكون بمثابة تحيّة من الشعر، لكي نوقن أن لا شيء يضاهي أن نتقاطع في مواقع التواصل بحقيقتنا العالية: أقصد الكتابة. هي، في الغالب، تمارين كتابة وشذرات جمال تسافر إلى الآخرين ببهجتها ودمعها وحرقتها ونداءاتها السرية والبعيدة الأخرى التي تُوقعنا في مبهم الوجود ومجهول الروح في تعالقها بالكتابة.


من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- قارئ الشعر العربي اليوم هم الشعراء أنفسهم، هم الأقلية التي بنت علاقة مختلفة مع الشعر في ظل هيمنة السرد واكتساحه المشهد والمخيّلة والفضاءات الثقافية.


هل توافقين على أن الشعر المترجَم من اللغات الأخرى هو، اليوم، أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- صحيح، يبدو أن هناك إقبالاً منقطع النظير على قراءة الشعر المترجَم من لغات أخرى على حساب قراءة الشعر العربي. هناك سفر في مرجعيات أخرى ومخيلات أخرى وأنفاس أخرى تكسر رتابة الشرب من نبع واحد والاكتفاء بمناخ واحد ورؤية العالم من زاوية واحدة.


ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- لم يعد العالم مشغولاً بالحياة، بل انشغل بواقع فجّ يرتجف أمامه الشعر وينسحب إلى الأقاصي. الشعر، دائماً، في مكان آخر كما أقول دائماً. سيظل يتيماً وعارياً وغريباً. قدر الشعر العربي هذه الغربة والحرقة المتوهّجة بالوجع الإنساني والرؤى البعيدة، التي لا ينتبه إليها إلا العميقون والعارفون والمنصتون، حقيقة لأسرار الكون.


شاعر عربي تعتقدين أن من المهم استعادته الآن؟
- طرفة بن العبد فيلسوف الشعر وشاعر الرؤى التي أحرقت عقلي وقلبي في سنوات دراستي بالجامعة. حين سألني أستاذي الدكتور علي بن محمد عن الشعر وجدواه في المحاضرة وأبديت وجهة نظر تتعلّق بطرفة وفلسفته ونظرته إلى الموت والحياة، انتبه إليَّ الأستاذ وشدّ على روحي التي قالت له: أنا شهيدة الشعر.


ما الذي تتمنّينه للشعر العربي؟
- ما الذي يتمنّاه الشعر لي، أنا التي وعيت وجودي في حضنه. لا منفى ولا برد أكثر من منفى اللغة. أنا منفيةٌ داخل الكتابة. بعد فقدان كل الأوطان والملاذات، الكتابة منفاي الجميل.


بطاقة: شاعرة جزائرية اشتغلت في الصحافة والتدريس في الجامعة، عضو مؤسّس لـ"رابطة كتّاب الاختلاف". من مؤلفاتها: "غجرية" (2000)، و"كأس سوداء" (2002)، و"روح النهرين" (2007)، و"سيرة كتابة" (2010)، و"نسيان أبيض" (2016)، صدرت ترجمة لأشعارها بالفرنسية في 2013 بعنوان "comme le noir se referme sur une étoile". ولها قيد الطبع أعمال بعنوان: "إقامة حرّة"، و"ديوان العيد"، و"صورة الرجل الشرقي في قصص غادة السمّان".

المساهمون