تقف هذه الزاوية مع شاعر عربي في علاقته مع قارئه وخصوصيات صنعته ولا سيما واقع نشر الشعر العربي المعاصر ومقروئيته.
■ من هو قارئك؟ وهل تعتبر نفسك شاعراً مقروءاً؟
- قارئي يشبهني، يبحث مثلي عن الجِدّة والمهارة معاً، عن العلاقات بين المفردات، دلالة استخدام مفردة ما، عوضاً عن الأُخرى. يتحسّس، مثلي، بالحَدْس، المعنى الذي يكمن في الجملة... لست مقروءاً، فلم يغنِّ لي كاظم الساهر بعد. إذا صدّقنا نصف ما تخرج به التقارير عن معدّلات القراءة، فلا أحد في العالم العربي يُعتبَر مقروءاً، إلّا نجوم الجوائز والشعر الشعبي.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، هل لديك ناشر وهل هو الناشر الذي تحلم به لشعرك؟
- أي ناشر وأي علاقة. الناشرون في العالم العربي أصحاب دكاكين بلا استثناء، باعة بسطات، ربما لم يعد هناك ناشر حقيقي منذ أن كَفّ رياض الريّس عن ذلك. أحلم بناشر لا يراني كمشروع تجاري، علبة مناديل أو بسكويت. تجاربي بكتبي الأربعة كانت تقريباً فاشلة؛ كتابي الثاني والثالث قمت بتوزيعهما شخصياً، واحترق مكتب ناشر الكتاب الثالث في بيروت وأُغلقت الدار فلا أعلم أيَّ شيء عن مصير النسخ، كتابي الأول فقط لاقى مصيراً مغايراً، لحسن الحظ، إذ طبعته وزارة الثقافة السورية.
■ كيف تنظر إلى النشر في المجلات والجرائد والمواقع؟
- أظنّه نوعاً من تعزية النفس لا أكثر، طريقة للتغلّب على الشعور بالتهميش الذي يشعر به الشعراء المجهولون قسراً. أظنّ أنّ القراءةَ الوحيدة الصحيحة لكتاب شعري، هو أنت والكتاب فقط، في عزلة القراءة، بدون أي أوهام أخرى.
■ هل تنشر شعرك على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف ترى تأثير ذلك في كتابتك أو كتابة زملائك ممن ينشرون شعرهم على وسائل التواصل؟
- أفعل ذلك أحياناً، لإثبات أنّي موجود لا غير، لنفسي بالدرجة الأولى، فأستمتع لحظياً بالإعجابات، أمّا في قرارة نفسي، فلا أُعطي أهمية للأمر. لأنّه ليس من مهام مواقع التواصل التعريف بالشعر أو بالكتابة أو تقديم أيّ منهما. مهمّة ذلك يحوزها الكتاب والقارئ الذي يقصد أن يقوم بفعل القراءة. لا أنشر كثيراً من الأشياء الجدّية، ربما القصد ممّا يُنشَر في تلك المواقع هو الهزء بالشعر والشعراء وتبيان سخف "الجدّية".
■ من هو قارئ الشعر العربي اليوم في رأيك؟
- إذا راقبتُ واحدةً من الصحارى العربية، أو جرفاً صخرياً أجرد في أشدّ الأماكن جفافاً، فلا بد أن تلمح، بعد عدد كبير من الكيلومترات الفارغة، نبتة صغيرة أو زهرة غريبة الشكل تنبت وسط الجدب، هذا هو قارئ الشعر اليوم. إنّه موجود باستمرار، رغم ندرته، كدليل فقط على أنّ النوع لن ينقرض.
■ هل توافق أن الشعر المترجم من اللغات الأخرى هو اليوم أكثر مقروئية من الشعر العربي، ولماذا؟
- لا توجد ترجمات جديدة لشعراء جدد، وما تتمّ ترجمته هو الأسماء نفسها، شعراء خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لأنّ الأمر مرتبط أيضاً بنظرة الناشر مرّة أُخرى، وهي محكومة، مرّةً أُخرى، بفكرة السوق.
■ ما هي مزايا الشعر العربي الأساسية وما هي نقاط ضعفه؟
- اللغة ميزته ونقطة ضعفه، اللغة العربية ثرّة وموسيقية وغنية ومدهشة في جدّتها باستمرار وقدرتها على التوالد. لكن الأمر لا يعني ترك الأمور على عواهنها والسقوط في فخ السيولة اللغوية، هذا كنز الشعر ومقتله في آن. يجب أن يخرج الشعر من الجملة "الشاعريّة"، لكن ليس إلى أي مكان والسلام.
■ شاعر عربي تعتقد أن من المهم استعادته الآن؟
- دوماً كنت معجباً بنوري الجرّاح وأظن أنّ مجموعته الأولى "الصبيّ" المبكرة، خصوصاً في فترة زهو الشعر "الاشتراكي" في سورية، كانت علامة فارقة في تاريخ الشعر السوري وقد وُصف بأنّه خارج من "معطف الماغوط". في أعمال نوري الجرّاح لم يتم التخلّص فقط من معطف الماغوط، بل تمّ ركنه في غرفة الكراكيب تماماً. أيضاً الفلسطيني وليد خزندار، خصوصاً مجموعة "أفعال مضارعة"، الذي يعطي فكرة مغايرة عن انشغالات الشعر الفلسطيني في فترة سيادة الخطابيّة الدرويشيّة، أجد أنّ من المهم استعادة كتب هذين الشاعرين الجميلين، وانشغالاتهما في فترة كان الشعر مصبوغاً، في البلدين، بلونٍ واحد.
■ ما الذي تتمنّاه للشعر العربي؟
- نفس ما أتمناه للقارئ العربي: أن يبقى على قيد الحياة فحسب.
بطاقة
شاعر سوري من مواليد اللاذقية 1973، يقيم في فرنسا. صدر لهُ: "خط صوت منفلش" (2008)، و"ثلم في تفاحة طافية" (2010)، و"التتمّات وتفسير الربع الأول من السيرة الناقصة للأخير" (2012)، و"لا شيء مسلّ في الحرب" (2015).