هل يهتم الإعلام بالشباب في تونس؟

04 اغسطس 2016
الإقصاء لا يمكن أن يكون إلا ممنهجاً ومقصوداً(فرانس برس)
+ الخط -
لا يخفى على أحد من متابعي الشأن العام في تونس أن الإعلام التونسي بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني نفض الغبار وكسر القيود التي كبلته طيلة عقود وركب خيول الحرية بعيدا عن كل الضغوطات، فألقت الثورة بظلالها على مجال السلطة الرابعة ومنحته ثمرة حرية التعبير كغيره من القطاعات في تونس، لكن هذه الثمرة يبدو أنها لم تنضج بعد رغم مرور سنوات على اندلاع ثورة الكرامة والحرية. فتظل الشبهات والنقائص تحوم حوله، وما يزال يحظى بنصيب الأسد من النقد على سلبيات الماضي وزلات الحاضر.

ومن هذا المنطلق اختار "جيل العربي الجديد" أن يرصد آراء لشباب في تونس حول الإعلام في تونس وأي دور للشباب فيه؟


حيث اعتبر الشاب والناشط في المجتمع المدني نزار الغرديقي، أن الإعلام بعد الثورة في تونس نهج منهج "الشو" في كل المواضيع التي تناولها مهما كانت خطورتها أو حساسيتها، وأصبحت كل وسائل الإعلام دون استثناء تتنافس ليس على جودة المادة الإعلامية المقدمة ولا على المساهمة في حل مشاكل البلاد اعتبارا للدور الهام للإعلام في تعرية الواقع في كل تفاصيله وكشف العلل أينما وُجدت، وإنما تتنافس على الظفر بأعلى نسب المشاهدة عبر برامج سياسية واجتماعية تقوم على الإثارة، نجومها خاصة من السياسيين ورموز الأحزاب والمنظمات الوطنية، وجلهم من الكهول وبعضهم من تجاوز سن الشيخوخة بسنوات، إثارة تنتهي بانتهاء الحصة لتعود مجددا في شاشة أخرى أو في حصة لاحقة لها في اليوم التالي وبالوجوه ذاتها التي تتناوب على الظهور، وهو ما جعل الشاب التونسي يعزف عن متابعتها، خاصة عندما يشاهد شيوخ السياسة يتحدثون باسم الشباب وهم الذين عجزوا عن تحقيق أدنى مطالبه المادية والمعنوية منذ اندلاع الثورة.

وكنتيجة لمنهج "الشو" وسياسة "الإثارة"، وجد الشباب نفسه خارج إطار كاميرا الشاشات وبعيدا عن "مصدح" الإذاعات وأصبح حضوره مناسباتيا أو عند الحاجة أو لملء كرسي فارغ في برنامج ما. والإقصاء لا يمكن أن يكون إلا ممنهجا ومقصودا.

واعتبر نزار أن هناك معطى آخر ذا أهمية، وهو الاصطفاف الحزبي والسياسي لبعض وسائل الإعلام ساهم بشكل كبير في إقصاء الشباب من وسائل الإعلام، وحتى إن أفسحت وسيلة إعلامية تخدم مصلحة جهة معينة، فإنها لن تعطي الفرصة للشباب دون مقابل أو غاية نفعية مشتركة، وفي هذه الحالات غالبا ما يؤمن حضور الشباب تمثيلا للأحزاب أو لشباب الأحزاب وليس للشباب في إطارها العام، فالإعلام الذي يخدم أجندة سياسية معينة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يفسح المجال للشباب إلا إذا كانت الغاية تتماشى مع خلفية الوسيلة الإعلامية.

في حين أوضح الناشط الإعلامي الشاب، أشرف الرياحي، لـ"جيل العربي الجديد"، أنه من خلال متابعته للمضامين الإعلامية، فإن قضايا الشباب شبه مغيبة ولا يرتقي حضورها إلا أن يكون تلوينات ومجملات هدفها إضفاء صبغة تسويقية بالأساس تستند إلى طرح سطحي أو عرضي، وليس الشباب وحده من سقط من اهتمامات الإعلام بل اعتبر أن قضايا المرأة ومشاغل الجهات حضورها محتشم في الاتجاه العام للمشهد الإعلامي.

ووجه رسالة عبر "جيل" يشدد فيها على ضرورة أن ينفتح المضمون الإعلامي على إعطاء الأولوية لما يطلبه الجمهور الذي تأثر بدوره بمتغيرات العولمة التي أضحت من خلالها الرسالة الإعلامية سلعة تباع وتشترى، وهذا التحول الذي أفضى إلى دخول الرسالة الإعلامية في ثقافة المنافسة والاحتكار والسبق الصحافي وغيره بشكل أعاد التركيز على الاهتمامات التقليدية للجمهور وقام بتسويقها كسلعة تستجيب لما يتابعه (أي الجمهور) من إثارة.

كما اعتبر محدثنا أن الارتباط الوثيق للإعلام بسلطة رأس المال من الحتمي أن يؤثر في الخطوط العريضة والتوجهات العامة لوسائل الإعلام على مختلف أشكالها والتي بات بقاؤها في المشهد الإعلامي مرتبطا أساسا بحصتها من الإشهار بمقاييس مشتركة كنسب المشاهدة والمتابعة وعدد القرّاء.

ويرى الشباب في تونس نفسه في قطاع الإعلام مجرد ورقة "جوكار" يلقى بها خلال الحملات الانتخابية والتسويق السياسي لا أكثر، وفق ما قاله الشاب التونسي هيثم زقلي، لـ"جيل العربي الجديد"، مؤكدا أن المتعارف عليه في الإعلام إن كان مرئيا أو مسموعا، فإنه مرآة المجتمع يعكس الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي. هذا الواقع الذي هيمنت عليه فئتا الكهول والشيوخ، خصوصا في مناصب اتخاذ القرار، وبالتالي فإن الإعلام بصفة عامة بعيد كل البعد عن قضايا الشباب، لذلك في محطة أولى حسب الظهور الإعلامي نجد أن أغلب الإعلاميين والمحللين من غير الشباب.

في الختام، اعتبر هيثم أن عدم تناول قضايا الشباب واهتماماته ومشاغله اليومية، كالبطالة والحق في الحياة الكريمة ومشاكل الدراسة والترفيه، يعود لسببين: توسع الهوة بين الشيوخ الذين يحتكرون وسائل الإعلام ولا يمكّنهم ذلك من فهم احتياجات هذه الفئة، والسبب الثاني هو في الواقع السياسي الحالي الذي فرض نتيجة التطورات والأزمات التي تعيشها المنطقة العربية التي باتت منشغلة بالمشاكل السياسية أكثر من الشباب.

من الواضح أن الإعلام في تونس عرف تطورا كميا ونوعيا واجتاز معبر الخطاب الأوحد والمشهد الأصم محاولا مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية في تونس.. فهل سيتمكن من التخلص من كل محاولات السيطرة واسترداد عافيته وتلبية مطالب المشاهد؟

المساهمون