روحاني يطالب بـ"صلاحيات خاصة" لمواجهة الضغوط الأميركية... هل سيمنحها له خامنئي؟

22 مايو 2019
يكرر روحاني منذ فترة مطالباته بصلاحيات خاصة (الأناضول)
+ الخط -
في وقت تواجه فيه إيران ضغوطا أميركية غير مسبوقة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والإعلامية وأخيرا العسكرية، يخوض الرئيس الإيراني، حسن روحاني، معركة داخلية منذ فترة ليست بقصيرة، تهدف إلى زيادة صلاحياته وحكومته، لتتمكن من مواجهة الضغوط الأميركية التي أوجدت "ظروفا استثنائية أكثر حساسية وحاسمة" لبلاده، بحسب أكثر من مسؤول سياسي وعسكري إيراني.

في آخر محاولة له في سياق معركته لزيادة صلاحياته، دعا روحاني، أمس الإثنين، في تصريحات له أمام حشد من رجال الدين، إلى منحه "صلاحيات خاصة" لمواجهة "ظروف خاصة" تمر بها البلاد، قائلا إن "إدارة الظروف الراهنة بطريقة أفضل تستدعي توحيد السلطات والقرارات".

في الوهلة الأولى، يمكن قراءة هذه التصريحات في سياق مواجهة انتقادات متزايدة، يواجهها روحاني وحكومته في الداخل، سيما من التيار الأصولي المحافظ، الذي يحمّله جزءا كبيرا من مسؤولية الأوضاع الاقتصادية التي آلت إليها إيران.

ويستشف من خلال جملة التصريحات التي صدرت على لسان روحاني خلال العام الأخير، اتباعه ثلاثة أساليب للردّ على هذه الانتقادات، الأول، هو التركيز على إنجازات حكومته، وخاصة في المجال الاقتصادي، ومقارنتها بالحكومتين السابقتين للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والثاني هو السعي إلى توجيه الأنظار إلى العقوبات والضغوط الاقتصادية الأميركية "غير المسبوقة"، ليقول إن "معظم مشاكل إيران تعود إلى هذه الضغوط"، الأمر الذي اعتبرته جهات محافظة في البلد بأنه "محاولة للهروب من المسؤوليات". والأسلوب الثالث الذي يتبعه هو طرح موضوع صلاحيات الحكومة، واعتبارها ناقصة، مطالبته بالمزيد.



وفي الإطار، وقبل أن يطالب أخيرا وبشكل صريح بـ"صلاحيات خاصة"، ردّ الرئيس الإيراني، في الثاني عشر من الشهر الجاري، على الانتقادات الموجّهة للحكومة، بقوله إنه "حينما تطرح أسئلة ومطالب من الحكومة، يجب أن ندرس صلاحياتها في المجالات التي تتعرض فيها لتلك الأسئلة"، لافتاً إلى أنه "على سبيل المثال عندما تطرح مطالب وأسئلة في مجالات السياسة الخارجية، والثقافة والفضاء الافتراضي، فعلينا أن نعرف مدى صلاحية الحكومة في تلك المجالات".

كما شدد على أنه "ينبغي أن تكون المطالب من رئيس الجمهورية بقدر قدراته وفي مجالات صلاحياته".

وفي هذا السياق، وفيما يشكو روحاني من عدم امتلاكه صلاحيات كافية، يطالب اليوم بمنحه "صلاحيات خاصة"، وذلك من خلال مقارنة الظروف الراهنة مع تلك التي مرت بها إيران أيام الحرب الثماني سنوات مع العراق في ثمانيات القرن الماضي، معتبرا أن الأوضاع الحالية أصعب بكثير من تلك الفترة، بقوله في الثاني عشر من الشهر الجاري، إن طهران لم تكن تعاني خلال الحرب مع العراق من "مشاكل في البنوك وبيع النفط والتوريد والتصدير، والحظر الوحيد كان للسلاح"، لكنها اليوم تواجه حظرا شاملا في كافة هذه المجالات.

وبعد فترة من طرحه هذه المقارنات، فقد وضّح روحاني، أمس الإثنين أن الهدف منها هو المطالبة بـ"صلاحيات خاصة"، على غرار تلك التي كان يتمتع بها "المجلس الأعلى لإسناد الحرب" في الثمانينيات، ليقول في هذا الصدد إن إيران تواجه اليوم ظروف حرب اقتصادية تستدعي صلاحيات خاصة، مثل تلك التي منحها مؤسس الثورة الإسلامية آية الله الخميني للمجلس، و"أديرت بها الحرب، وتحققت نجاحات كثيرة"، بسحب قول روحاني.


وأضاف أنه خلال تلك الحرب "بعدما واجهنا مشاكل، تأسّس المجلس الأعلى لإسناد الحرب، الذي كان يمتلك جميع الصلاحيات، لدرجة أن مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) والسلطة القضائية، لم يتدخلا في قرارات المجلس، واليوم أيضا نحن في ظروف حرب اقتصادية".

وبالعودة ثلاثين سنة إلى الوراء، فقد أسست إيران في عام 1986 المجلس الأعلى لإسناد الحرب بموافقة من مؤسس الثورة، وأوكلت رئاسته إلى رئيس الجمهورية آنذاك، علي خامنئي، وكان روحاني من بين أعضاءه.

كان المجلس الأعلى لإسناد الحرب يحظى بصلاحيات واسعة، وبموجب مرسوم أصدره الخميني عام 1987، ألزم جميع مؤسسات وشخصيات الدولة بالالتزام بقرارات المجلس، التي كانت تتعارض أحيانا مع القوانين النافذة في البلاد. وفي السياق، أورد المجلد العشرين لكتاب "صحيفة الإمام الخميني" في الصفحة الـ 476 رسالة لخامنئي وجهها في الثامن من فبراير 1988 لمرشد الثورة روح الله الخمئيني الموسوي، جاء فيها "لقد أجازت سماحتكم أن يتخد (المجلس) قرارات لصالح الحرب حتى في حالات لا تتوافق مع القانون، وأن تكون جميع الأجهزة ملزمة بتنفيذها إلى أن تنتهي الحرب". داعيا الخميني إلى الموافقة على "هذه الصلاحيات الخاصة" كتابيا، وهو ما ردّ عليه الأخير بالخط أن "قرارات المجلس الأعلى لإسناد الحرب ملزمة حتى نهاية الحرب".

وفي السياق، سبق أن أدلى روحاني بتصريحين ملفتين للنظر خلال مارس/آذار الماضي، قال فيهما إنه تحدث إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، موضحا له أن "الظروف التي نعيشها هي ظروف حرب والبلاد بحاجة لقائد يقود جبهة الحرب مع العدو، وطلبتُ منه أن يقود هذه الحرب لتكون الحكومة والشعب من خلفه، فقال لي إن الظروف ظروف حرب، ونحن بحاجة لقائد لجبهة الحرب، والقائد هو رئيس الجمهورية".



ومن ثم، فعندما يطالب الرئيس الإيراني، اليوم بـ"صلاحيات خاصة" أو تأسيس مجلس تحت رئاسته يشبه المجلس الذي أدار الحرب مع العراق، بعد شهرين من هذه التصريحات، فذلك يؤكد أنه يرى أن صلاحياته كرئيس للجمهورية، لا تكفي ليكون "قائد جبهة الحرب" يقود البلاد في هذه الظروف.

من هنا، تأتي مساعي الرئيس الإيراني للحصول على صلاحيات جديدة، بينما دعا خامنئي قبل عام في هذا الشهر إلى إنشاء "غرفة الحرب الاقتصادية"، لكن لم تتأسس بعد بحسب مسؤولين إيرانيين، إذ يبدو أنها استبدلت بتأسيس "المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي" المكوّن من رؤساء السلطات الإيرانية الثلاث (التنفيذية والقضائية والتشريعية)، خلال أيار/مايو 2018، بعيد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، والذي عقد إلى اليوم قرابة 40 اجتماعا.


إلا أنه، على ما يبدو، لم يحقق هذا المجلس أيضا لروحاني مطلوبه، وربما يعتبره عائقا أمامه وحكومته، ليتضح ذلك في تصريحاته أمس الإثنين، في إطار إشارته إلى صلاحيات المجلس الأعلى لإسناد الحرب، قائلا إنها كانت "واسعة لدرجة أن مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) والسلطة القضائية لم يتدخلا في قراراته"، أي أنه يريد صلاحيات أو مجلس لا تتدخل فيها المؤسستان.

وفي المقابل، واجه حديث روحاني خلال الفترة الأخيرة عن قلة صلاحياته انتقادات واسعة، من خصومه السياسيين، ولم يسلم حتى من انتقادات مماثلة من مؤيديه الإصلاحيين. وفي هذا الإطار، هاجمته صحيفة "كيهان" المحافظة، في الثالث عشر من الشهر الجاري، في مقال بعنوان "السيد روحاني، كانت لديك صلاحيات لكنك غير قادر"، متسائلة "عندما كنت تعلم أن رئيس الجمهورية لا يتمتع بصلاحيات كافية ولازمة في العمل بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه من قبل الدستور، فلماذا ترشحت لمنصب رئاسة الجمهورية؟".

واليوم الثلاثاء، ردت وكالة "إرنا" للأنباء، المحسوبة على الحكومة، على هذا المقال لصحيفة "كيهان"، في تقرير، قائلة إن "كاتب المقال لم يشر أبدا إلى الظروف الخاصة للبلاد اليوم، وأن رئيس الجمهورية، قبل الانسحاب الأحادي لأميركا من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات غير مسبوقة، كان يعمل وفقا لصلاحياته ومسؤولياته على نحو أقنع الشعب الإيراني ليصوّت له مرة أخرى (عام 2017) لولاية ثانية".

تلك الانتقادات خرجت أيضا، كما سلف الذكر، من مؤيديه الإصلاحيين، ليقول في هذا السياق، النائب الإصلاحي عن طهران في البرلمان، مصطفى كواكبيان، مخاطبا روحاني "اليوم لا يقبل منك (روحاني) أن تقول إنك لا تتمتع بصلاحيات كافية، فعلى أي حال أنت كرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس لعشرات مجالس أخرى لديك صلاحيات واسعة".

وأوضح كواكبيان أنه "في قضايا بحاجة إلى موافقة وإقرار من قائد الثورة، فهو يتخذ القرار المناسب بعد المشورة مع الخبراء والمتخصصين، كما جرت عليه العادة خلال هذه السنوات"، داعيا روحاني إلى تطبيق وعوده "بلا تأخير".

واليوم، على وقع تفاقم مستمر للوضع الاقتصادي في إيران في ظل استمرار تداعيات العقوبات الأميركية، مع انعدام آفاق لحلول قريبة في ظل قسوة هذه العقوبات وشموليتها لتطاول جميع مفاصل الاقتصادي الإيراني، فمن المتوقع أن تتزايد خلال الفترة المقبلة الانتقادات للحكومة الإيرانية ورئيسها روحاني، وفي الوقت نفسه، سيواصل هو على الأغلب معركة الحصول على "الصلاحيات الخاصة"، سواء كان ذلك بدافع الردّ على تلك الانتقادات أو لدوافع موضوعية تحت ضغط "ظروف الحرب الاقتصادية" بحسب قوله، أو الإثنين معا. وعلى ضوء هذه المعطيات، يبقى السؤال الملّح إن كان المرشد الإيراني، علي خامنئي، سيوافق على منح روحاني الصلاحيات التي يريدها، أم سيطالبه بطريقة أو أخرى بمعالجة الأسباب الداخلية للمشكلات الاقتصادية وفقا للصلاحيات الموجودة، بدلا من المطالبة بالمزيد.

المساهمون