مع استمرار عجز الحكومة المصرية عن تدبير السكر وخفض سعره، واختفاء السكر من محلات البقالة التموينية والسوبر ماركت، يتزايد السخط الشعبي على الجنرال السيسي الذي تعهد بخفض الأسعار خمس مرات، لكنه فشل فيها جميعاً، وآخرها في غيط العنب بالإسكندرية نهاية الشهر الماضي، وهي المرة التي سبقت تفجر أزمة السكر الأخيرة مباشرة ليصل سعره إلى 12 جنيهاً (ما يعادل 1.35 دولار بالسعر الرسمي) للكيلوغرام إذا وجد.
"طوابير السكر" ظاهرة جديدة بالفعل على المجتمع المصري الذي استراح من طوابير الخبز والبوتاغاز (غاز الطهي) في عهد الدكتور باسم عودة وزير التموين قبل انقلاب يوليو/ تموز 2013.
وتقاسمت محافظات الجمهورية الأزمة وطاولت نيرانها أحياء العاصمة القاهرة، بعد أن ظلت مقتصرة على محافظات الصعيد البعيدة عن أضواء الإعلام واهتمام السلطة، وتخطت نسبة العجز 80% في محافظات الوجه البحري واختفى تماماً من محافظات الصعيد، على الرغم من تفردها بإنتاج سكر القصب.
وفي القاهرة التي تحظى باهتمام الحكومة وتوافر السلع، تداول نشطاء التواصل الاجتماعي مشاهد احتشاد المواطنين أمام مجمع لفلكي الاستهلاكي بوسط القاهرة في طوابير للرجال وأخرى للسيدات لشراء السكر، بعد علمهم بوصول "طن" سكر فقط للمجمع الذي يخدم منطقة مزدحمة وسط العاصمة، وانصرف معظمهم ساخطين بدون سكر بعد نفاد الكمية المحدودة.
وأصبح عدم الاكتراث بهيبة الأمن والتجرؤ على قطع الطرق والتظاهر للاستيلاء على السلع التموينية ظاهرة منتشرة في جميع المحافظات وأمام وزارة التموين القريبة من مجلس الوزراء ووزارة الداخلية.
وقبل أيام قليلة، في محافظة الدقهلية، حاول المحافظ عمل لقطة إعلامية على طريقة الجنرال السيسي، فوجه عدة سيارات بها سلع تموينية في حراسة قوة شرطة لتوزيعها في مدينة المطرية بالمحافظة، وهي لا تكفي حارة صغيرة في قرية واحدة، فقطع أهالي قرية الدراكسة، التابعة لمركز منية النصر، الطريق، للحصول على السكر، ولولا تدخل قوة الشرطة لاستولوا عليها.
وبعد فشلها في تخفيض سعره، لن تستطيع الحكومة أن تكبح ارتفاع أسعار السكر، فضلا عن تخفيضها، بعد مطالبة وزير التموين القطاع الخاص باستيراده وفشل الأخير جراء شح الدولار وارتفاع الأسعار العالمية. ومؤخرا، كلف الوزير شركة الوادي، إحدى الأذرع الاقتصادية للجيش، باستيراد السكر بالإسناد المباشر.
هذا الإجراء جاء متزامنا مع أخبار بتحريك الوزير سعر السكر بالارتفاع من ستة جنيهات إلى 10 جنيهات بعد تضاعف السعر العالمي، ليحقق الجيش مزيداً من الأرباح وعسكرة الاقتصاد، ما يزيد من تعقيد الأزمة ومعاناة المواطن الفقير حتى بعد موسم الإنتاج في يناير.
وعلى الرغم من تصريحات وزير التموين أن الأرصدة آمنة حتى فبراير/شباط، فقد أعلن في نفس الوقت عن استيراد 420 ألف طن، ما يجعل هذه التصريحات بعيدة عن الواقع المرير.
الوزير زعم كذلك أن الكمية سترد البلاد في أكتوبر/تشرين الأول الجاري وهذه مغالطة أخرى تتعارض وخلفيته العسكرية وترأسه هيئة إمداد وتموين القوات المسلحة، لأن مدة الشحن من أقرب المناشئ لن تكون قبل شهر إذا استطاع تأمين الكميات المطلوبة في هذا التوقيت، خاصة أن الإنتاج العالمي في أدنى مستوياته في السنوات الست الأخيرة، وتأكد فجوة بين الإنتاج والاستهلاك العالمي قدرها خمسة ملايين طن في ظل تنامي الطلب العالمي على السكر، وانخفاض المخزون لدى الدول المصدرة لمستويات تاريخية، بحسب تقرير التجار الدولية للسكر الصادر عن وزارة الزراعة الأميركية.
المناقصة تم إلغاؤها بالفعل في اليوم التالي من قبل هيئة السلع التموينية بسبب نقص الدولار في البنك المركزي وارتفاع السعر العالمي وتأخر الإنتاج لشهر يناير/كانون الثاني في البرازيل؛ أكبر المصدرين، وندرة المعروض للتجارة الدولية، ورغم إعلان الهيئة عن مناقصة جديدة للاستيراد فإن الأزمة مرشحة للتفاقم لنفس الأسباب.
رئيس الحكومة هو الآخر وقع في التصريحات غير الواقعية وأعلن عن استيراد كميات من السكر بلغ مجموعها 800 ألف طن خلال أيام بمساعدة القوات المسلحة، وادعى بعض المسؤولين وصول كميات منها، وكلها تصريحات إعلامية غير واقعية، إذ لا يمكن استيراد هذه الكمية التي تكافئ ما يتم استيراده طوال العام في أيام قليلة.
النظام وكالعادة استخدم الأذرع الإعلامية في مطالبة المواطنين بالاقتصاد في استهلاك السكر لخطورته على الصحة وبمعلومات مغلوطة في مواجهة الأزمة، فهذا معتز عبد الفتاح، أستاذ العلوم السياسية ومقدم برنامج في قناة المحور المقربة من النظام قال، تجنبوا الأبيضين السكر والدقيق، وزعم أن ذلك حديث نبوي.
شروط الصندوق
الجنرال السيسي لم يذكر السبب الحقيقي لهذه الأزمة، في ندوة تثقيف القوات المسلحة رقم 23، وهو إلغاء منظومة السلع التموينية بمجرد توليه الرئاسة، وتخفيض موازنة الدعم إرضاء لصندوق النقد الدولي، هذه المنظومة كانت توفر لكل مواطن 2 كيلو سكر شهرياً وهي كمية كافية للفرد طوال الشهر.
المنظومة كانت تتضمن بناء مخزون استراتيجي في حدود 1.7 مليون طن من الإنتاج المحلي البالغ 2.5 مليون طن من شركات القطاع العام، لتبيعه للمواطن بـ 1.25 جنيه للكيلو، وهي السياسة التي حرص عليها نظام الرئيس محمد مرسي.
ففي الرابع من يوليو/تموز 2013، اليوم التالي للانقلاب، صرح نائب رئيس هيئة السلع التموينية، أن مخزون مصر الاستراتيجي من السكر يكفي الاستهلاك المحلي لمدة ستة أشهر كاملة، ليبدأ في نهايتها موسم إنتاج السكر المحلي الجديد في يناير/كانون الثاني 2014 ليؤمن استهلاك تسعة أشهر أخرى.
هذه السياسة عبر عنها الشاب المصري "سائق التوك توك" بشجاعة وفصاحة حين قال "قبل ما يحصل انتخاب لرئيس الجمهورية كان عندنا سكر مكفينا، ورز بنصدره، راح فين؟! نتفرج على التليفزيون نلاقي مصر فيينا، ننزل في الشارع نلاقيها بنت عم الصومال، حرام مصر يتعمل فيها كده!".
ورغم أن تكلفة هذه الكمية لا تزيد عن 3.5 مليارات جنيه، ذهب أضعافها في فضيحة فساد القمح الشهيرة، لكنها كانت كافيه لضبط أسعار السوق المحلي، وتأمين احتياجات المواطن طوال العام، إلا أن الجنرال السيسي قام بإلغائها، ما ضاعف سعر السكر إلى 6 جنيهات في حينه، ليصل بعد ذلك إلى 10 جنيهات، ثم اختفى من الأسواق بسبب نقص الإمداد وانهيار المخزون.
فساد سياسي وغياب المساءلة
ظلت أسعار السكر منخفضة في السوق الدولية بمقدار النصف تقريباً عما هي عليه في مصر حتى مايو/أيار الماضي. وخلال هذه الفترة لم يشعر المواطن المصري برفاهية الأسعار المنخفضة بسبب احتكار الدولة لإنتاج وتوزيع السكر.
وعندما سمح النظام باستيراد السكر لصالح رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، أحمد الوكيل، ظلت الأسعار مرتفعة بمقدار 50% عن السعر العالمي، بسبب تواطؤ جهازي حماية المستهلك وحماية المنافسة ومنع الاحتكار مع النظام على حساب المواطن الفقير.
وعندما ارتفع السعر العالمي سمحت الحكومة لشركتي النيل التي يملكها رجل الأعمال المقرب من الجنرال السيسي وصافولا السعودية بتصدير كميات ضخمة من السكر المحلي بعد ارتفاع الأسعار العالمية، دون فرض رسوم تصدير كما تفعل عند تصدير الأرز، ما خرب المخزون الاستراتيجي للدولة وضاعف سعر السكر وزاد من معاناة المواطن الفقير وأصحاب المقاهي ومصانع الحلويات، كل ذلك في ظل غياب مبدأ المحاسبة التي لم تطاول وزير التموين أو رئيس الوزراء حتى الآن.
خالد حنفي، وزير التموين السابق، ولقربه من الجنرال السيسي، سمح لرئيس الغرف التجارية باستيراد السكر مستفيداً من رخص سعره في السوق العالمي طوال 2015 وبيعه مقابل نقاط الخبز بضعف سعره العالمي على حساب المواطن، ملحقاً ضرر الإغراق والخسارة لشركات القطاع العام بفارق جنيه للكيلوغرام، وتم ذلك بعلم مجلس الوزراء والرئاسة دون تدخل أو محاسبة.
ما يزيد الأزمة تعقيداً هو غياب أفق الحل في المدى القصير على الأقل، وهذا ما ظهر من تصريحات الجنرال السيسي حين قال بطريقته الخاصة "أقعد أتفرج وأقول يا خسارة، كل أملنا شوية السكر وشوية الرز، يا رب تستحملوا معايا".
وهكذا ببساطة لم يقدم حلاً للأزمة ولا وعداً بخفض السعر كما كان يفعل، فهل يتحمل الشعب المعاناة!