هل يستطيع التقشف إنقاذ الاقتصاد التونسي؟

06 يوليو 2015
من اليمين مراد الحطاب وصادق جبنون
+ الخط -
يعيش الاقتصاد التونسي في ظروف سيئة، وزادت الضربات الإرهابية المتتالية من الأزمة التي شلت القطاع السياحي... فهل يخرج التقشف تونس من نفق الأزمة؟

مراد الحطاب: الإنفاق يعكس "التكتم الاقتصادي"

اعتبر الخبير التونسي في المخاطر الاقتصادية مراد الحطاب، أن تونس تعيش "مرحلة تكتم اقتصادي"، وعدم وضوح الرؤية في ما يخص الملفات الاقتصادية والمالية للدولة.

وأوضح مراد الحطاب في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه بالنظر إلى النفقات العمومية التي تزداد، وواقع خوف السلطات من ردة فعل المجتمع إن مست بقدرته الاستهلاكية، مؤشرات تستبعد إقدام الحكومة على إقرار خطط تقشفية.

وأضاف المتحدث ذاته، أن وزارة الاقتصاد والمالية التونسية لا تملك برنامجاً سياسياً واضحاً لإنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية التي تعرفها، ولم تصدر أي قرارات أو برامج تهم إصلاح مالية الدولة، وخاصة فيما يتعلق بالسياسيات الضريبية، ومنظومة تمويل الاستثمارات، كذا النفقات الإدارية، وترتيب الأولويات، لتحقيق الحد الأدنى من نسب النمو المعلن عنها سلفاً.

واعتبر مراد الحطاب أن القرار الاقتصادي لم يعد من اختصاص وزارة الاقتصاد والمالية طيلة الفترة الماضية، بل أصبح مجالا تحتكر قرارته رئاسة الحكومة، التي انفردت بتدبير الشأن المالي للدولة.

وشدد الخبير التونسي أن البلاد دخلت في مرحلة جديدة عنوانها البارز "التكتم عن الأوضاع الاقتصادية"، وذلك ما اعتبره ضرباً صارخاً لمبدأ الشفافية في تدبير شؤون الدولة، الذي وعدت به الحكومة الجديدة فور تنصيبها.

وأردف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المعطيات التي تقدمها الحكومة لا تعكس صراحة الواقع في تونس، وقدم مثالاً عن القانون التكميلي لموازنة تونس الذي طرح أخيراً، وتضمن توقعات حول نسبة نمو سوف تصل إلى 2.2%، حيث اعتبر المصدر ذاته، أن هذه التوقعات مفصولة تماماً عن الواقع. وأورد في تصريحه أن الأزمة التي عرفها وسيعرفها قطاع السياحة بعد الضربة الإرهابية الأخيرة في مدينة "سوسة" السياحية، ستكون ذات وقع اقتصادي كبير. مع الأخذ بالاعتبار حسب رأيه، أن قطاع السياحة يوفر لتونس نقطتان في حجم النمو الاقتصادي، وبالتالي سوف تعاني البلاد من شح تدفق السياح خلال المدى القريب، ما سيدفع المستثمرين إلى التخلي عن عدد كبير من الوظائف، إضافة إلى عدم تحقيق الاقتصاد الخدماتي خلال النصف الأول من السنة عائدات مالية مهمة، وهو بدوره يعد رافعة للاقتصاد التونسي.
وقال الخبير في المخاطر الاقتصادية مراد الحطاب "عموماً، يمكن اعتبار أن ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية في تونس، مرتبط بفشل الحكومة الذريع في تدبير الشؤون الاقتصادية، وطرح بدائل لمصادر تمويل الدولة".

وعن الحلول الممكنة، ذكر مراد الحطاب في حديثه لـ"العربي الجديد"، بمجموعة من المقترحات تقدمت بها لجنة من خبراء الاقتصاديين التونسيين للحكومة فور تنصيبها، لكن المسؤولين، حسب تعبيره، لم يهتموا بكل ما تمت صياغته ضمن الورقة التي تقدم بها الخبراء، وتضمنت 40 إجراءً اقتصادياً ومالياً للخروج من الأزمة الاقتصادية التي عرفتها تونس منذ فترة. ومن بين المقترحات التي تقدموا بها، توفير فرص الشغل لخريجي الجامعات عبر طرح بدائل للتكوين كي تتلاءم مؤهلاتهم مع الطلب في السوق التونسية، وعددهم حوالي مليون شاب. إضافة إلى دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ومنحها إمكانية الولوج إلى الصفقات العمومية، وكذا اقناع مجموعة من الشركات الكبرى المحتكرة لعدة مجالات حيوية، بضرورة مراجعة طرق تدبيرها وخفض هامش الربح مقابل تعزيز توفير فرص الشغل.

ومقابل جملة الاقتراحات التي طرحتها خلية الخبراء الاقتصاديين والماليين للحكومة، شدد مراد الحطاب على أن هذه الأخيرة، قابلتها بالتهميش واللامبالاة، بل قال "إن الحكومة الحالية تهمش الكفاءات حتى داخل المؤسسات والإدارات الحكومية، بما لا يخدم الاقتصاد التونسي".

اقرأ أيضا: تونس تنتظر الوعود

صادق جبنون: التقشف يكرر التجربة اليونانية

فضّل الخبير الاقتصادي التونسي صادق جبنون، الحديث عن ترشيد النفقات في تونس، عوض الحديث عن سياسات تقشفية شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وتبعات اقتصادية. وقال صادق جبنون في حديثه لـ "العربي الجديد"، إن الاقتصاد التونسي بالفعل موجود على المحك، ويعيش في ظروف اقتصادية سيئة، بل من المتوقع حسب تقييمه للأوضاع، أن تحقق البلد نسبة نمو ما بين 0 و1%، إن لم تسجل بسبب الظروف الأمنية وحالة عدم الاستقرار معدلا سلبياً.

واعتبر الخبير الاقتصادي التونسي، أن ما تحتاجه تونس اليوم هو إعادة إحياء الاقتصاد، لأنها سقطت من مرحلة الإنعاش، ولن يتحقق ذلك من دون إصدار الحكومة لقوانين أساسية تهم كل من "مجلة الاستثمار، الصرف، والجمارك". بالإضافة إلى تبسيط شروط تأسيس الشركات، لكي تتطابق مع المعايير الدولية المشجعة والمستقطبة للاستثمارات، ومماثلة لـ "النموذج الأميركي"، مع إدخال التكنولوجيا في التعاملات الإدارية، لتقليص فترة انتظار المستثمرين لرخص إنشاء المشاريع.

وشدد الخبير الاقتصادي التونسي، على أن حزمة الإجراءات التي ذكرها سلفاً، ضرورية، بل تفرض الأوضاع الحالية في تونس، الشروع في تطبيقها خلال وقت قياسي لا يتجاوز الـ 4 أشهر المقبلة، كي تقدم الحكومة إشارات قوية بأن تونس لا تزال قادرة على النهوض، ولها مقومات جذب لرؤوس الأموال.

ورفض جبنون الحديث عن سياسة تقشفية شاملة، واعتبر أنه خيار، سيدخل تونس في نفق مماثل لما تعيشه اليونان اليوم، بل ذهب حد القول بأن إقراره سيشل بشكل تام الاقتصاد التونسي. وأوضح الخبير الاقتصادي التونسي في تصريحه لـ "العربي الجديد"، أن ما يمكن الحديث عنه، هو ترشيد نفقات المؤسسات الحكومية وحوكمة تعاملات الإدارات التونسية، مع التشديد على استرجاع مخلفات ديون الشركات الضريبية، والتي قال عنها جبنون إنها تجاوز الـ 5 مليارات دولار، وتتطلب آلية جديدة لاستخلاصها، وضخها في مشاريع استثمارية للدولة.

واستدرك المتحدث ذاته، بأن خطة تقشفية شاملة، تتضمن تخفيض مناصب الشغل، ورفع الدعم الحكومي عن القطاعات، وسلة من المواد الاستهلاكية، وكذا تجميد الأجور، إجراءات لا يمكن الحديث عنها قبل الدخول في مرحلة إحياء الاقتصاد التونسي، وقدر جبنون فترتها بما بين خمس وعشر سنوات. وختم جبنون تصريحه لـ "العربي الجديد" بالقول: "تونس في حاجة قبل كل شيء لسلم اجتماعي، وحل مشاكل الإضرابات العمالية والقطاعية، وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين، لأن تركها على حالها، أكبر تهديد لمصداقية التغيير في تونس، ومصدر اضطراباتها".

اقرأ أيضا: هل يكون الاقتصاد التضامني حلاً لأزمة تونس؟

المساهمون