هل يختفي ربع المتاحف في نهاية 2020؟

21 يونيو 2020
(متحف المتروبوليتان في نيويورك بعد إغلاقه في آذار/ Getty)
+ الخط -

لم تعد تجربة زيارة المتاحف مثلما اعتدنا عليها، صحيح أن بعضاً منها فتح أبوابه حول العالم بل وفي المدن التي قاست أكثر من غيرها من "كوفيد-19"، لكنك لن تستطيع الدخول فقط لأنك أتيت إلى المتحف، لا بد من حجز إلكتروني مسبق، كما أنك لن تعبر البوابة دون فحص درجة حرارتك والتأكد من أنك ترتدي الكمامة والقفازات، وثمة من يراقبك - حتى وإن كنت حذراً- ويتأكد أنك ملتزم بالتباعد عن الآخرين بمسافة بات الجميع يفضل أن تكون ستة أقدام على الأقل.

عادت بعض المتاحف في إيطاليا وإسبانيا، حيث تشكل خسائر هذا القطاع فيهما ضربة حقيقية وقوية للاقتصاد، ولا سيما إيطاليا التي تعد متاحفها مصدراً أساسياً في الدخل القومي. في البندقية (فلورانسا) مثلاً أعلن العمدة أن هناك عجزاً بـ200 مليون يورو ولن يكون بالإمكان إعادة تشغيل كل المتاحف. في المقابل بدا الإيطاليون سعداء وقد خلت متاحف البلاد من السياح وتمكنوا من زيارتها من دون ازدحام بعد افتتاح بعضها نهاية أيار/ مايو الماضي، وظهرت صور القاعات التي كانت تغص بمئات البشر من كل الجنسيات وفيها عشرات يتجولون متفرقين.

من جهة أخرى، بدأت الأخبار السيئة لإفلاس المتاحف ودور المزادات العالمية تتزايد، كما يذكر نيكولاس إم أودونيل القانوني المتخصص في قطاع الفنون في مدونته، مبيناً أن إعلان إفلاس متاحف كثيرة بات وشيكاً، لا سيما بعد إشهار دار "بادل" للمزادات إفلاسها رسمياً، كما نشرت متاحف كبيرة على حساباتها في وسائط التواصل الاجتماعي رسائل حزينة تشي بأنها مقبلة على الأمر نفسه.

بدورها، قامت مجموعة من البلدان بإجراء مسوحات رسمية تقدّم تصوّراً للمشهد الثقافي وبشكل خاص المتاحف مع نهاية العام الجاري، فأعلنت هولندا مثلاً بعد القيام بمسح مماثل أن ربع متاحفها سيعلن إفلاسه مع نهاية هذه السنة، فيما يواجه حوالي 1600 متحف مستقل في المملكة المتحدة مصيراً مماثلاً.

وضعت أزمة كورونا سؤال السياسات الثقافية على الطاولة، وأصبح أكيداً أنه وحتى في أكثر الدول تقدماً لا يمكن لهذا القطاع أن ينجو اليوم من تلقاء نفسه، بلا دعم رسمي. وما نراه اليوم من تهديد كبير لمؤسسات عريقة ليس نتيجة لأزمة كورونا فقط، بل إنه حصيلة سنوات من السياسات الثقافية التي شاعت في العقدين الأخيرين بإعلان تخفيض الميزانية المخصصة لدعم الفنون والثقافة عاماً بعد عام في كثير من الدول. متاحف أوروبا اعتمدت على نفسها للتغلب على "شدّ الحزام" على المؤسسات الثقافية، فقامت بتأجير قاعاتها وبيع نماذج من الأعمال وأقامت المزادات واعتمدت التذاكر ورسوم الدخول الباهظة في معظم الأحيان، ونجحت فعلاً في الاستمرار لكنها تبدو اليوم كما لو أنها ضحية لنجاحها، بعد أن فقدت كل هذه المصادر وعاشت لأشهر بلا أي نوع من الدخل، وتخلصت من نسبة كبيرة من موظفيها بلغت في بعض الأحيان 97% وفقاً لأودونيل، وصدرت قرارات خفيفة للمساعدة، أجّلت الحكومات دفع الإيجارات لثلاثة أشهر، وخفضت المتاحف أجور من أبقت عليه من العاملين وتخلصت ممن لا عقود لهم تحميهم.

أما المتاحف الصغيرة والمتوسطة فكل المؤشرات تقول بأنها ستتبخر، فقد كانت تعاني في الأساس من قبل انتشار الفيروس، ولم تكن لتنجو من عام إلى عام لولا مساعدة أصدقائها الأثرياء والمؤسسات المانحة، ومن أبرز الضحايا بيوت الكتّاب التي تستغيث اليوم وتتناقل الصحف أخبارها مثل بيوت تشارلز دكنز، وجيمس جويس، وفرويد وغيرها.

في أميركا ثبت أن ضحايا تفشي الفيروس التاجي يشملون حتى أقوى المؤسسات الثقافية في البلاد، وأعلن "اتحاد المتاحف الأميركية" أن الخسائر تقدر بـ 33 مليون دولار يومياً، أما متحف "متروبوليتان للفنون" فيتوقع عجزًا إجماليًا ما بين 100 إلى 150 مليون دولار بحسب صحيفة، نيويورك تايمز، وكان مجلس إدارة المتحف قد نشر رسالة مؤخراً تتحدث عن الوقت العصيب الذي تمرّ به المؤسسة. وإن كان المتروبوليتان العملاق الذي تبلغ ميزانيته التشغيلية 320 مليون دولار، وتقدر المنح والهبات التي تصله سنوياً إلى 3.6 مليارات دولار يتوقع مثل هذه الضربة المالية الحادة، فماذا سيحل بالمؤسسات الأصغر؟

مع المؤشرات التي نقرأها هنا وهناك، فليس مستبعداً أن يختفي ربع متاحف أوروبا مع بلوغنا نهاية 2020، وربما يجد بعضها حلولاً بالاندماج، وفي بلدان كمعظم البلدان العربية التي تخلو تقريباً من المتاحف المستقلة وتعيش منذ زمن طويل رغم "التجويع"، فلا شك أن تقلصاً كبيراً في الميزانية ينتظرها، وبالتالي فإن خسائرها لن تكون مادية وحسب بل إن برامجها الثقافية على قلتها ستصبح أقل وأكثر تقشفاً.

المساهمون