هل من جديد؟

27 مارس 2016
(يوم الأرض 2013، تصوير: سلام منير ذياب)
+ الخط -

بعد مرور أربعة عقود على يوم الأرض يُطرح السؤال: ما الذي استجد؟

وسنحاول الإجابة عنه بواسطة تناول محورين: الأول؛ تمثل أهم عنوان سياسي لهذا اليوم النضاليّ في كونه تجسيدًا لإرادة جماعية لدى فلسطينيي 48 في معركة التصدّي لمحاولات سلخهم عن أرضهم.

وكانت موضوعة الأرض آنذاك، وما تزال الآن، هي الأساسية في صراع الشعب الفلسطيني مع الصهيونية. وهذا ما تثبته أيضًا دراسات إسرائيلية من الصعب حصرها، لافتة إلى أنه منذ اليوم الأول لبدء مشروع استعمار فلسطين أدركت الحركة الصهيونية أنها ستواجه مقاومة عربية من السكان الأصلانيين.

وبحسب إحدى هذه الدراسات اصطلح مؤسسو الصهيونية على تسمية هذه المقاومة بـ"المشكلة العربية"، ولم يكفّوا هم ومن أتى بعدهم عن التساجل فيما بينهم عن أفضل طريق لمواجهة هذه "المشكلة". وخلال ذلك، درسوا كل الاحتمالات الواقعة بين ترحيل العرب خارج وطنهم وإقامة "دولة ثنائية القومية"، كما اختبروا كل سيناريوهات تقسيم البلد، ولكن في العمق ساد في أوساطهم إجماع على المبدأ الأساسي: "أرض أكثر وعرب أقل".

هذا المبدأ ما فتئ يتحكّم بشكل أشدّ استحواذًا بالسلطة الحاكمة والرأي العام في إسرائيل. وهو أمر لا يمكن القول إنه ناجم فقط عن أن المجتمع الإسرائيلي، كقيادة ونخب، ينزاح نحو اليمين أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة، بل إنه يعيد الإثبات للداني قبل القاصي أن الحركة الصهيونية لم تغيّر من طبيعتها الكولونيالية العنصرية التي طبعت الكيان السياسي الذي أنشأته.

يجدر التذكير هنا أن كل من خفّ إلى الاحتفاء بـ"تطورات" أعقبت "اتفاق أوسلو" مع م. ت. ف سنة 1993، إلى جهة التبشير بأن رياحًا تغييرية ذات بصمات تحويلية أو تكاد تهب على إسرائيل لم يعمر احتفاؤه طويلًا.

كما يحلو لنا، بين الفينة والأخرى، أن ندرج التحولات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000) في إطار الانزياح نحو اليمين، حسبما أُسلفت الإشارة. والسؤال: انزياح عن ماذا؟ وهل تنطبق المفاهيم المتعارف عليها لليسار في العالم أجمع على اليسار في إسرائيل، خصوصًا على ذلك المخلوق الهجين المسمى بـ"اليسار الصهيوني"؟

أما المحور الثاني؛ فإلى جانب العوامل الخاصة بكينونة الفلسطينيين في الداخل، كان يوم الأرض ناجمًا عن عوامل مرتبطة كذلك بالتحولات ضمن سياق العلاقة بين فئات الشعب الفلسطيني، في مقدمها سطوع الثورة الفلسطينية (حركة التحرر الفلسطينية الوطنية) وتصاعد مسيرتها في الحصول على التأييد العالمي والعربي.

ولا يمكن التقليل طبعًا من مترتبات العدوان الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967، الذي كان له تأثير واضح ومُثبت على فلسطينيي 48 استمدّ من نشوء "واقع" جديد في إثر ذلك العدوان، اتسم بإعادة التحامهم مع قطاعات كبيرة من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع العالم العربي، بعد أن عانوا من قطيعة شبه تامّة مع هذه الجهات حتى عام وقوع العدوان.

ثمة من يعتقد أنه بعد هذا العدوان وارتباطًا بسطوع الثورة الفلسطينية، باتت عمليات التنشئة السياسية على الهوية القومية الفلسطينية في أوساط فلسطينيي 48 جارفة، بحيث امتلكت القدرة على مقاومة كل تيار مناقض أو حتى مختلف معها، ما فتح المجال لحدوث تسيّس جماهيري شامل انعكس في يوم الأرض.

وليس من المبالغة الآن رؤية أن خلفية الصراع التي أدّت إلى يوم الأرض أعطت فلسطينيي 48 البُعد اللاحق لمعركتهم، ووقف في صلب هذا البُعد وما يزال أن هدف تلك المعركة سيخيب إذا لم يأخذ في الاعتبار انتماءهم إلى الشعب الفلسطيني وقضيته، بما يستلزم وحدة المصير، بالرغم من تباين المواقع والظروف وتغايرها.


(كاتب فلسطيني/ عكّا)

دلالات