ماذا لو حاولنا تطبيق تعاليم النسبية على أينشتاين نفسه؟
لسنا بحاجة هنا - ولا أينشتاين بحاجة - إلى أن نُفيض مزيداً من الإطراء على اسم نال حظه الوافر من التعظيم والشهرة على مدى السنين.
لا نتوخى بالمقابل اللحاق بجوقة الأصوات الساعية إلى تحطيم صنم العالِم ذي الشعر المنكوش، وتشويه صورته في أعين محبّيه وحوارييه، زاعمةً أنه مختلس للنسبية أكثر منه مخترع لها، ومنقبةً في تفاصيل حياته الشخصية عن النقائص والسوءات. بين الحدّين مجال رحب لتحليل هادئ وموضوعي، وفرصة سانحة للتنسيب.
لقد غيّرت النسبية، بشقيها الخاص (1905) والعام (1915)، نظرة الإنسان إلى مفاهيم المكان والزمان والمادة والطاقة، كاشفة عن علائق جديدة بينها، ما جعل الأفق النيوتوني لتفسير الطبيعة يبدو على ضوئها متجاوَزاً.
أمام انطلاقة مدوّية لشاب دون الثلاثين، نشر في عام واحد (1905) خمس مقالات، أربع منها تعد من أهم مقالات القرن العلمية. كان من المتوقع أن يعمّر التبصّر الفذ الذي طبع تلك الأعمال الأولى طويلاً ويتنامى مع السنين، لكن العكس هو ما حصل.
بينما كان صيته يذيع بين الناس وأخباره تشغلهم، أدار أينشتاين ظهره لحدثين علميّين هائلين، بل ثابر في البحث عن تناقضاتهما من أجل دحضهما، وكأنه عجز عن تمثّل كل الجديد الذي حمله تطوّر فيزياء عصره.
القضية الأولى تتعلق بتمدّد الكون. كان أينشتاين يعتقد بأن الكون ثابت ومستقر. حتى إنه ألزم نفسه بإدخال تعديل على معادلات النسبية العامة نفسها، عامين فقط بعد صدورها، كون الصيغ الأصلية تحمل في أحشائها فكرة التمدّد، لا الثبات.
سنة 1921، برهن الروسي فريدمان أن النسبية تقود بالفعل، بطريقة سلسلة، إلى تصوّر كوسمولوجي منسجم مع أطروحة التمدّد، قبل أن يضع الفلكي والراهب البلجيكي جورج لوميتر، عام 1927، لَبنات ما سيعرف لاحقاً بالانفجار العظيم.
"رياضياتك جميلة، لكن فيزياءك مُكْرَهَة"، هكذا خاطب أينشتاين وقتئذ لوميتر بنبرة لا تخلو من التعالي. ولن يعترف بأن التعديل إياه كان "أكبر غلطة في حياته" إلا عام 1931، أي ثلاث سنوات بعد أن يقيم إدوين هابل البرهان، بالرصد والقياس، على تباعد المجرّات.
يبقى أهم موعد أخلفه صاحب "كيف أرى العالم" هو ميكانيكا الكمّ، ثورة القرن العلمية الحقيقية، حين وقف منها موقفاً سلبياً وعارض بشراسة آباءها المؤسسين الشباب. لم تأت اللّاحتمية على مزاج أينشتاين، ولم يكن ليستسيغ تجربة شرودنغر الذهنية.
لقد عض بنواجذه على التفسير الكلاسيكي التوقعي للعالم، رافضاً "تأويل كوبنهاكن"، المبني على الاحتمالية والإحصائية وعدم الفصل بين الواقع والمشاهدة.
جدلٌ عَمَّرَ طويلاً، إلى أن أعطى فيزيائي فرنسي اسمه ألان أسبي، سنة 1982، الدليل التجريبي على صحة فرضية التشابك الكوانتي، وبذلك نسف مجموع مؤاخذات أينشتاين على نظرية الكمّ، مانحاً الغلبة لآراء رفاقه الكوانتيين، الذين طالما حيّرتهم مثل هذه المنافحة المحافِظة والعقيمة، الصادرة عن أحد أشهر أدمغة زمانهم.
اقرأ أيضاً: رسالة كريستوفر نولان إلى الكوكب