هل حان وقت دي كليرك إسرائيلي؟

25 يونيو 2015

دي كليرك.. افتتح زمنا جديدا في جنوب إفريقيا (مايو/2015/Getty)

+ الخط -
بصرف النظر عن المبادرة الفرنسية الحالية، للخروج من المأزق الذي وصلت إليه مفاوضات السلام الإسرائيلية - الفلسطينية، وما ستنتهي إليه من نتائج، فقد تجدد الحديث عن حل الدولة الواحدة، خصوصاً أن حل الدولتين أصبح مستحيلاً، أقله ما دام بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة الإسرائيلية. وقد خرجت أصوات إسرائيلية وفلسطينية تحبذ العودة إلى مشروع الدولة الواحدة، إذا أمكن إزاحة نتنياهو وحكومته الحالية من الحكم. فقد قال الرئيس السابق لجهاز الشاباك، يوفال ديسكين، إن الوضع الحالي في إسرائيل يتجه نحو حل الدولة الواحدة الثنائية القومية، وحل الدولتين بات بعيدا، واعتبر أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب البيت اليهودي وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، لا يريدان دولة ثنائية القومية، لكن إسرائيل منقادة إلى هذه العملية، لأنه لا توجد استراتيجية لدى أحد، فضلا عن الضغوط الدولية المتزايدة على إسرائيل. وأضاف ديسكين إن عدم واقعية فكرة الدولتين يزداد يوما بعد آخر، معتبراً أن الحل الممكن هو الحل الإقليمي. 
وها هو إيهود أولمرت وإبراهام بورغ، من الضفة الأخرى، يطلقان صيحة تحذيرية أيضاً، فقد تنبأ أولمرت في اجتماع عقد قبل ثلاث سنوات في هرتسيليا، قائلاً: علينا أن نفهم أن نظاماً قائماً على الثنائية القومية هو حقيقة في طور النشوء، ولن يمر وقت طويل، قبل أن يغدو هذا المنحى خارجا عن سيطرتنا. وفي السياق نفسه، قال بورغ إن إسرائيل تحولت إلى كيان مماثل لأسبرطة، تبرر أفعالها كما تشاء، كما أنها دولة مولعة بالحروب، وتتأرجح على شفير المأساة، وأضاف: إذا لم نؤسس هوية إسرائيلية حديثة على قواعد التفاؤل والإيمان بالجنس البشري والثقة الكاملة بالأسرة الدولية، فلن يكون لنا حظ في البقاء.

في الجانب الفلسطيني، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس المفاوضين السابق، أحمد قريع، إن الحديث عن حل الدولتين، فيما توجه إسرائيل إليه ضربات قاتلة، أصبح مجرد رياضة فكرية. وأكد أهمية حل الدولة الواحدة، وإبقاءه خياراً حياً. وجاء موقف قريع هذا صادماً، لأنه الرجل الذي قاد مفاوضات حل الدولتين سنوات طويلة، لكنه لم يكن أول موقف فلسطيني معلنا، فقد سبقه مفكرون وسياسيون اعتبروا حل الدولة الواحدة الخيار الأمثل لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أو لإجبار إسرائيل على قبول حل معقول. وشكل ناشطون وسياسيون ومفكرون حركة شعبية باسم (الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية)، تتبنى حل الدولة الواحدة، وتدعو إلى تغيير جذري ونهائي في الموقف الفلسطيني الداعي إلى حل الدولتين. وجاء في مشروع الحركة الجديدة: إن الخيار الأنسب الذي يبقى أمام الشعب الفلسطيني هو خيار حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، دولة ديمقراطية لجميع سكانها، تقوم على أساس دستور ديمقراطي، يستند إلى قيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويضمن الحرية والديمقراطية والمساواة في الحقوق، من دون أي تمييز على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة أو القومية أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو مكان الولادة أو أي وضع آخر. وعندما سئل كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، عن حل الدولة الواحدة، قال إنه ليس خياراً فلسطينياً، لكن الإسرائيليين يدفعوننا باتجاهه.
على أي حال، لن تقدم هذه المواقف الإسرائيلية والفلسطينية كثيراً أو قليلاً، ما لم يظهر على الساحة الإسرائيلية قائد مثل فريدريك وليم دي كليرك، آخر رئيس أبيض لجنوب إفريقيا، امتدت ولايته من 1989 إلى 1994. فقد قام بتعديلات أدت إلى إنهاء نظام التفرقة العنصرية (أبارتايد) سنة1991، كما قاد حواراً مع حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، بقيادة نيلسون مانديلا، أدت إلى تشكيل أول حكومة متعددة الأعراق في تاريخ البلاد. وفي الثاني من فبراير/شباط 1990، ألقى فريدريك دي كليرك خطابا تاريخيا أعلن فيه إطلاق سراح سجناء سياسيين، بينهم مانديلا، وأعلن فيه أيضا التصريح بقيام أحزاب تمثل الأغلبية السوداء في البلاد، ما كان بمثابة إعلان لعصر جديد من الكرامة والمساواة في الحقوق السياسية. كان ذلك الخطاب مفاجأة لكثيرين، فلم يكن مر على انتخابه رئيساً أكثر من خمسة أشهر، وفي وقت انتشرت فيه أعمال العنف في أنحاء البلاد، وكان الاقتصاد يترنح تحت ضغط العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على بريتوريا. وبعد تسعة أيام من ذلك الإعلان، أطلق سراح بطل الكفاح ضد التمييز العنصري، نيلسون مانديلا، بعد 27 عاما قضاها في السجن، الأمر الذي مثّل مفاجأة مذهلة لعديدين من سكان البلاد والعالم.











دلالات
217FF6AE-3C51-4AE0-9E39-C354B2A6D4DD
عصام شريح

صحفي فلسطيني، عمل في إذاعة قطر ٣٩ عاماً، وله مقالات في مجلات وصحف قطرية ولبنانية.