التهويد مستمر وترشيحا تقاوم

30 يونيو 2015

مشهد من ترشيحا

+ الخط -
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلية سياسة التهويد في منطقة الجليل في شمال فلسطين، وجديد ذلك في بلدة ترشيحا، فقد تظاهر عشرات من أبنائها مندّدين بعنصرية بلدية معلوت - ترشيحا وسياسة رئيس البلدية، شلومو بوحبوط، تجاه المواطنين العرب في ترشيحا، وتهربه من قضية عدم بيع قسائم أرض للعرب في حي أورانيم، واحتجاجا على أمر إخلاء الملاعب والقاعات الرياضية التي يتدرب فيها نحو 400 طالب. ورفع المتظاهرون شعارات تنادي بسقوط سياسة التمييز العنصري والشراكة الزائفة، وقالوا إن من حق أبناء ترشيحا العيش على أرضهم بكرامة. وتحدث، في التظاهرة، عضوا البلدية، خليل أبو حسان ونخلة طنوس وآخرون، مؤكدين أن التظاهرة ستكون انطلاقة لسلسة خطوات احتجاجية، حتى تحقيق المطالب لمواطنين متساوي الحقوق.
وتحدث رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي في ترشيحا، وسام الدوخي، وقال إن هدف ترشيحا الأساسي هو الانفصال عن بلدة معلوت، والتخلص من سياسة رئيس البلدية، شلومو بوحبوط، العنصرية. وقال نائب رئيس البلدية، المحامي أيمن شناتي، إن مصلحة ترشيحا فوق الجميع، وتعهد بأن يكون المبادر الأول بالدعوة إلى الانفصال عن معلوت، إذا أراد أهالي ترشيحا ذلك، وسيقدم مبادرة لإجراء استفتاء شعبي في ترشيحا حول الانفصال. 
ويعاني سكان ترشيحا، وعددهم 5500 نسمة، من سياسة بلدية معلوت- ترشيحا في المجالات المختلفة، ما اضطر عشرات إلى ترك البلدة، والبحث عن مسكن في إحدى المدن، مثل معلوت وحيفا وكرمئيل، الأمر الذي يثير قلق النشطاء والمهتمين في البلدة وهواجسهم، بسبب تفاقم أزمة السكن واضطرار بعضهم للانتقال والسكن خارج حدود ترشيحا.
وجاءت التظاهرة للتعبير عن الرفض القاطع للخارطة الهيكلية التي قدّمتها بلدية معلوت-ترشيحا، والتي تعمل على الإجهاز على ما تبقى من أراضي ترشيحا. كما أن مشروع الخارطة التهويدية يقضي بتحويل 200 دونم من الأرض التابعة للوقف المسيحي (الكاثوليكي والأرثوذكسي) في البلدة إلى أراضي ما يسمى "الصالح العام"، وعدم تخصيص أماكن تعليمية أو ثقافية في ترشيحا، كالمدارس والمعاهد والنوادي، أو أي منطقة للزراعة أو تربية المواشي. وعقّب رئيس بلدية معلوت ــ ترشيحا، شلومو بوحبوط، على التظاهرة، زاعماً أن (متطرفين)، بينهم نخلة طنّوس وخليل أبو حسّان وعزمي بشارة، هم من يحرّضون سكان ترشيحا على الانفصال عن معلوت.
وكان عضو بلدية معلوت ــ ترشيحا، نخلة طنوس، قد قال في تظاهرة سابقة، للمطالبة بفصل ترشيحا عن "معلوت" إن ترشيحا تعاني، منذ عشرات السنين، من سياسة التمييز، فلا توجد حلول للسكن لشبابنا، ما دفعهم إلى التوجه إلى السكن في حي "أورانيم" المحاذي لترشيحا، واصطدموا بشركات عنصرية تعمل ضد العرب، هذا الوضع لم نعد نحتمله. وقال إن قرار رئيس البلدية، شلومو بوحبوط، إغلاق ملاعب الرياضة أمام شبابنا، يدل على تصرف عنصري وغير مسؤول. وتابع: لم ولن نسمح ولن نصمت على هذه السياسة العنصرية، وواجبنا أن نقف جميعنا، في ترشيحا، يداً واحدة وقلباً واحداً، ومن الواضح أن رئيس البلدية يتعامل معنا بسياسته العنصرية، وحان الوقت لوضع النقاط على الحروف، وإنهاء هذه اللعبة العنصرية، وسنصل إلى تحقيق أهدافنا، حتى الانفصال عن البلدية.

ومعلوت - ترشیحا تعني جبل الشيح بالكنعانية، وتقع شمال مدينة عكا، وتبعد 18 كم عنها تقريبا. وترتفع 615 م عن سطح البحر. بلغت مساحة أراضيها 47428 دونماً قبل الاحتلال، بما فيها أراضي قرية الكابري، وتحيط بها أراضي قرى معليا وإقرت وخربة سماح. والبلدة ذات موقع أثري يحتوي على مدافن محفورة في الصخر وصهاريج وسلم يؤدي إلى نبع مياه وبقايا قرية (جعتون) في العهد الروماني، وقد عثر فيها على بقايا معبد كنعاني، يعود إلى ما قبل 3500 عاماً، وتشتهر بلدة ترشيحا بالزراعة، خصوصاً الأشجار المثمرة والزيتون، وهي خليط من المسلمين والمسيحيين المتعايشين بكل حب واحترام متبادل.
وترشيحا آخر معقل مقاوم في فلسطين عام 1948، وقاوم أهلها العصابات الصهيونية ببسالة، لكن المحتل الإسرائيلي ارتكب أبشع المجازر والغارات الجوية بحق أهلها، ما دفعهم إلى مغادرتها، على أمل العودة قريبا بوعد من الجيوش العربية، وكان فيها مجلس بلدي ومخاتير ومدرستان وأكبر سوق يرتاده أهل القرى المجاورة.
وتثير الأكثرية العربية في شمال فلسطين المحتلّة قلقاً بين المسؤولين الإسرائيليين، ويذكر تقرير لوزارة الإسكان الإسرائيلية، بهذا الصدد، أن سيطرة الأكثرية العربية في شمال إسرائيل دفع الوزارة إلى وضع خطط لهذه الظاهرة المزعجة. وتوقّع أن تصبح منطقة الجليل وحيفا ذات أغلبية عربيّة، وأفاد بأن وزارة الإسكان الإسرائيلية وضعت خطّة طوارئ يتم، في إطارها، تخصيص أراض واسعة في الشمال، لاستيعاب مئات آلاف المستوطنين اليهود، كما أن الكنيست أقرّ قانوناً يُلزم الحكومة بالعمل على تطوير منطقة الجليل، وتوطين أكبر عدد من المستوطنين اليهود فيها.
وكان أرنون سوفير، وهو مستشرق، قد دقّ ما سماه ناقوس الخطر، محذراً مما وصفها بالقنبلة الموقوتة داخل إسرائيل، ويعني التكاثر الطبيعي المذهل لعرب 1948، والمساحة الجغرافية الواسعة التي يحتلّونها، ثم ارتفاع معدّل الثقافة والتعليم بينهم، إضافة إلى حالة الإحباط التي يعيشها العرب، وهم المتمسكون بقوميّتهم العربية، ويعتبرون فلسطين وطنهم الخالد. وحذّر سوفير من نمو القرى العربية، وتزايد عددها واتّساع نطاقها، وتحوّل بعضها إلى مدن كبيرة، وقال إن مراكز التكاثر الطبيعي الكبرى للعرب تكمن في القرى التي تضم ألوف السكّان، وضرب مثلاً قرية سخنين، حيث عدد الولادات السنوي فيها يبلغ خمسمائة طفل، أمّا بلدة ترشيحا فتضم نحو ستة آلاف نسمة. ويشير إلى أن مدينة الناصرة العليا، "نتسريت علييت"، المجاورة لمدينة الناصرة العربية، أُنشئت في عهد أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، ديفيد بن غوريون، أي في الخمسينيات، لتكون مدينة يهودية صرفة، لكنّها أصبحت اليوم مدينة محاصرة ومخنوقة بالانتشار السكّاني العربي فيها، والناجم أساساً عن التكاثر الطبيعي للعرب، ويضيف إن نحو مائة ألف عربي انتقلوا للسكن في الناصرة العليا منذ إنشائها.

217FF6AE-3C51-4AE0-9E39-C354B2A6D4DD
عصام شريح

صحفي فلسطيني، عمل في إذاعة قطر ٣٩ عاماً، وله مقالات في مجلات وصحف قطرية ولبنانية.