هل تحترم الشركات الأجنبية معايير الجودة في الدول العربية؟

05 أكتوبر 2015
من اليمين جاسم السعدون ومروان هرماش (العربي الجديد)
+ الخط -
تبحث الشركات الأجنبية الكبرى عن أحسن الفرص الاستثمارية بأقل كلفة. فهل تراعي الشركات العملاقة العاملة في الدول العربية معايير الجودة التي تلتزم بها في بلدها الأم؟

مروان هرماش: الشركات الكبرى تلتزم المعايير

يرى الخبير في تحليل المعلومة الاقتصادية مروان هرماش، أن الشركات العالمية الكبرى أو المملوكة لمجموعات عربية كبيرة تراعي إلى حد كبير صورتها في الأسواق والإعلام، وبناء على ذلك، فهي تتشدد من حيث تطبيق معايير الجودة، وإن وجدت حالات في بعض الدول العربية الشركات الأجنبية المستثمرة فيها، لا تراعي معايير الجودة المعتمدة سواء في الإنتاج أو التوزيع.

ويؤكد مروان هرماش، في تصريحه لـ "العربي الجديد"، على ضرورة التمييز بين نوعين من الاستثمار بالنسبة للشركات الأجنبية، وحتى المتعددة الجنسيات منها. حيث أن الأشكال الجديدة من الإنتاج والتسويق بدأت تعتمد على التفويض لشركات أخرى تتكفل بذلك، وهنا، يوضح هرماش، تظهر العديد من المشاكل والاختلالات فيما يخص معايير الجودة المطلوبة.

ويفصل مروان هرماش في هذه المعايير التي يرى أنها تتلخص في "جودة المنتجات ومطابقتها لدفاتر تحملات الإنتاج، مراعاتها للبيئة والسلامة الصحية للموظفين والمستهلكين، ضمان حقوق المستخدمين، شفافية التعاملات المالية، شفافية التعاملات الإدارية...". ويقدم الخبير في تحليل المعلومة الاقتصادية ثلاثة أشكال لتقييم هذه المعايير، والتي تُعتمد دولياً ومحلياً.

ويضع هرماش على رأس قائمة تحديد المعايير الخاصة بالمنتجات، المحددة دولياً، والتي تتكلف بتقييمها علامة "إيزو" للجودة، المشهود لها حسب المتحدث ذاته بالنزاهة والدقة، كذا الصرامة في منح طابع جودتها، وهذه الأخيرة تبحث عنها الشركات بمحض إرادتها، لكي تعزز مكانتها في الأسواق. ويقول هرماش إن مجموعة من الشركات العربية وإن بوتيرة بطيئة، تتوفر على هذا الطابع العالمي الخاص بالجودة سواء تعلق الأمر بفروع شركات أو شركات محلية.

أما الشكل الثاني، فهو المعايير التي تضعها المؤسسات الحكومية وتكون موجهة أساساً للاستثمارات الإنتاجية والتسويقية الكبرى. ويقول هرماش في حديثه لـ "العربي الجديد" إن دولاً مثل تونس، المغرب، الإمارات العربية المتحدة، وإلى حد ما مصر، تضع مجموعة من الشروط، وما ساعد هذه الدول على تطوير منظومة معاييرها الوطنية للجودة، اعتمادها على نمط اقتصادي إنتاجي يستهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية، عكس باقي الدول العربية التي إما تعتمد على الطاقة، أو تحتكر فيها الدولة مسألة الاستثمار إلى حد كبير.

وأخيراً يطرح هرماش النوع الثالث الذي يسمى "معايير المراسيم والقوانين"، وهي شروط تضعها الدول في إنشاء وتدبير الاستثمارات، لكن تشرف الإدارات المحلية على تطبيقها، ويشدد هرماش على أن المشكل يكمن هنا، مما يضعف جودة المنتحات المصنعة عربياً. حيث يسهل تمرير مشاريع أو تسويق منتجات لا تراعي شروط الجودة التي تفرض، حتى مستوياتها الدنيا.
ويثير الخبير في تحليل المعلومة الاقتصادية، مسألة اعتماد المستثمرين على سلك سبل غير مشروعة، مثل رشوة المسؤولين، أو منحهم امتيازات في المشاريع المنجزة، مقابل التأشير على استثماراتهم، دون الخضوع لمنظومة "معايير المراسيم والقوانين".

ويفسر مروان هرماش أسباب الخلل في معايير الجودة التي يُتحكم في التأشير عليها داخل الإدارات المحلية، بغياب خبراء وكفاءات قادرة على التمييز بين نوعية المشاريع التي بين أيديها، ناهيك، حسب المتحدث ذاته، عن مسألة الرشوة المنتشرة بقوة. وبما أن الاستثمارات يؤشر عليها منتخبون محليون أو موظفون عاديون، فإن سهولة استغلال أصحابها لجهلهم بالقانون والمعايير المعمول بها وارد جداً، ما يجعل مجموعة من المنتجات التي تخرج من الشركات التي تنشط في المنطقة ذات تنافسية ضعيفة، وموجهة فقط للاستهلاك الداخلي نظراً لغياب الرقابة عليها.

جاسم السعدون: التنافس على الأسعار هو الأساس

يربط المحلل الاقتصادي الكويتي الدكتور جاسم السعدون، بين احترام الشركات الأجنبية المستثمرة في الدول العربية لمعايير الجودة المعمول بها عالمياً في الإنتاج والتسويق، وبين مناخ الاستثمار الذي توفره الدول العربية، ومدى قدرتها على استقطاب شركات لها سمعة جيدة فيما يخص الإنتاج والتسويق.

ويقول جاسم السعدون، في تصريحه لـ "العربي الجديد"، إن الدول العربية باستثناء تجربة المغرب وبعض دول الخليج خاصة منها إمارة دبي، وحدها قادرة اليوم على فرض ازدواجية استقطاب الاستثمار الأجنبي وضمان معايير جودة لمنتجات لها القدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. ويرى المحلل الاقتصادي الكويتي أن المناخ السياسي العربي، دفع بالوضع من سيئ إلى أسوأ بالنسبة لمجموعة من الدول، حيث لم تعد قادرة على ضبط الشركات المحلية، فما بالك بالشركات الأجنبية التي تبحث مجموعة منها على أقل كلفة إنتاج ممكنة، ولا تستطيع تدوير عجلة الإنتاج في مناطق أخرى بنفس الامتيازات التي توفر لها في الدول المضطربة.

ويشدد جاسم السعدون على أن مناخاً استثمارياً جيداً يساوي معايير وجودة ممتازة، غير ذلك، يضيف، لا يمكن الحديث عن استثمارات فاعلة. ويقدم المثال بالإنتاج الزراعي العربي، وما يرافقه من صناعات غذائية، حيث يوضح أن الشركات في مجموعة من الدول غير قادرة على ضمان منتج زراعي جيد، بسبب عدم وفرة المياه، وفساد الأراضي الزراعية، بل تلوث البيئة اللازمة لضمان منتجات صحية لا تضر بحياة المستهلكين. ويضيف المتحدث ذاته لكل هذا، فساد الإدارات العربية، ما يسمح بتجاوز المعايير المفروضة في الإنتاج.

ويفصّل المحلل الاقتصادي الكويتي الدكتور جاسم السعدون في حديثه لـ "العربي الجديد"، معادلة اقتصادية مفروضة اليوم في الدول العربية، وهي "التنافسية على الأسعار قبل التنافسية على الجودة". حيث يؤكد أن هذه المعادلة تفرض نفسها بقوة، بسبب قطع دول شرق آسيا وتركيا أشواطاً كبيرة في مسألة استقطاب الاستثمارات وضمان حد مقبول من معايير الجودة في السلع والمنتجات التي تخرج من المصانع.

ويختم بالقول "قاعدة إنتاج قوية لا يمكن وضعها بدون طرح التنافسية على الأسعار أولاً، والشركات دائماً تبحث عن يد عاملة رخيصة ومواد أولية أرخص، لذلك يجب اعتبار مرحلة التأسيس للتنافسية على الجودة، خطوة ضرورية توصلك إليها التنافسية على الأسعار، وذلك ما يفرض التخلي بداية عن بعض معايير الجودة في الإنتاج".
المساهمون