هل تتخلى إيران عن نفوذها في العراق؟

12 نوفمبر 2019
+ الخط -
لم يكن مجرد نفوذ. كان سيطرة شبه تامة، تحول فيها العراق إلى ما يشبه الحديقة الخلفية لإيران، فقد تحقق لها أكثر مما كانت تحلم به، خصوصا بعد أن انتهت حقبة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وما رافقها، ووصول النفوذ الإيراني وتمدّده إلى مناطق شمال العراق وغربه، مناطق ما كانت تحلم إيران أن تصل إليها قبل ظهور "داعش". نعم كان أكبر من نفوذ وأقل من احتلال كامل، ذلك هو وضع إيران في عراق ما بعد 2003، فهل يمكن لها أن تتخلى عنه؟
ليس المقام هنا لذكر أسباب التغلغل الإيراني في عراق ما بعد 2003، ولكن ما يهم أن هذا النفوذ كان، إلى وقت قريب، أصعب من أن تتخيل نهايته، كان متشبثاً متوغلاً في كل شيء، سيطر على القرار السيادي العراقي، على الاقتصاد والسياحة والإعلام، كان كبيراً إلى درجة أن كل من يتحدّث عن إمكانية نهاية هذا النفوذ يشترط له سقوطاً لنظام طهران، أما قبل ذلك فضربٌ من المستحيل. ولكن لا مستحيل مع شعوبٍ تطلب حريتها، مع شعوبٍ تريد أن تستعيد هويتها. لا مستحيل مع شعوبٍ ذاقت الأمرّين في ظل الدولة الطائفية الفاسدة، الدولة التي حوّلت جزءاً كبيراً من ثروات الشعب العراقي لدعم إيران في وجه العقوبات الإيرانية، ولدعم نظام بشار الأسد وإدامة آلة القمع التي تتصدّى للشعب السوري الثائر، فأفقرت العراقيين، وحوّلت مزابلهم إلى أماكن يرتادها الجياع، بينما تعطلت الزراعة والصناعة، وزاد الديْن الإجمالي على العراق، ليصل إلى 125 مليار دولار، وفقاً للجنة المالية في البرلمان العراقي.
تواجه إيران اليوم ثورة عراقية شاملة على نفوذها، فعلى الرغم من أن تظاهرات العراقيين التي خرجت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي كانت تطالب بالإصلاح، إلا أن وتيرة 
العنف المرتفعة التي قوبلت بها دفعت سقف المطالب إلى الارتفاع أيضا ليصل إلى شعار "نريد وطناً" الذي رفعه المتظاهرون العراقيون عقب 25 أكتوبر، وطرد كل أحزاب العملية السياسية وشخصياتها منذ 2003، بمعنى طرد كل النفوذ الإيراني الذي كانت تمثله هذه الطبقة.
ويوما بعد آخر، ومع ارتفاع فاتورة الدم التي يدفعها العراقي، بفعل استخدامٍ أهوج للعنف من السلطة، ترتفع وتيرة المطالب، وتأخذ الاحتجاجات على النفوذ الإيراني الداعم هذه السلطة أشكالا مختلفة، وصلت إلى حد حرق صور المرشد الإيراني، علي خامنئي، وصور الخميني وقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بل وصلت إلى حد مهاجمة قنصلية إيران، وأين؟ في كربلاء عاصمة التشيع في العالم التي لم تتوقع طهران أن يخرج منها كل هذا الرفض لها من هذه المدينة تحديداً.
وقد أشعر حرق صور الرموز الإيرانية في كربلاء طهران بالخوف، الخوف ليس فقط من خسارة نفوذها في العراق، وإنما أن تصل وتيرة الاحتجاجات إلى شارعها الذي دفع الكثير في سبيل تصدير الثورة وشعاراتها، والذي يعاني اليوم من وتيرةٍ متصاعدةٍ من العقوبات الأميركية. والشارع الإيراني يسأل اليوم، ماذا حققت الثورة الإسلامية بعد أكثر من 40 عاماً على توليها السلطة في بلد نفطي كبير ومهم في الشرق الأوسط؟ إذا كانت صور رموز الثورة الإيرانية تحرق في مدن العراق الشيعية.
تسعى إيران، وبحسب ما تسرّب لوسائل الإعلام، إلى السيطرة على الاحتجاجات في العراق، تارة بتقديم تنازلاتٍ تعلنها السلطة الحاكمة في بغداد، وتارة أخرى بالعنف المفرط الذي تجابه به جموع الشعب العراقي من القوات الأمنية، أو من المليشيات التي تدين بالولاء للولي الفقيه في إيران. ولعل ما نشرته وكالات إخبارية عالمية عن تدخل شخصي من قاسم سليماني في مجابهة التظاهرات، واللقاءات التي عقدتها زعامات سياسية ودينية عراقية في طهران، يشير إلى حجم الأزمة التي تعيشها إيران، بفعل الاحتجاجات العراقية المتواصلة منذ أكثر من شهر.
وإذا كان العراق بمثابة درّة التاج الإيراني كما وصفه محلل سياسي إيراني، فإن ما تعيشه مدن العراق الجنوبية وبغداد من ردّة فعل تجاه النفوذ الإيراني يؤشر إلى مرحلة جديدة على إيران أن تتعاطى معها، ليس بمزيدٍ من قمع الاحتجاجات في العراق، لأن ذلك حتماً سيرتد عليها، وإنما بمحاولة ترك مساحة بينها وبين العراق، مساحةٍ تعيد إلى العملية السياسية في العراق بعضاً من الثقة التي فقدتها بسبب ممارساتها 16 عاماً.
بخلاف ذلك، سيرتدّ السلاح الذي يوجه إلى صدور العراقيين، وإن كان ظاهره من عراقيين أيضا، وسيسمع صوته، ليس في مدن جنوب العراق وحسب، وإنما يمكن أن يُسمع صوته في شوارع طهران وقم ومشهد والأحواز، فالإيرانيون يتابعون ويراقبون مشهد حرق صور زعاماتهم في كربلاء والبصرة وديالى وبغداد، وحتماً ستكون لهم وقفة أخرى، ربما لن يطول زمنها حتى نراها ونتابع عواجلها على شاشات التلفزيون، فالتشبّث الإيراني بالعراق قد يُخرج الأمور عن السيطرة، خصوصا في ظل صمود العراقيين بوجه آلة القمع.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...