هل تتحول "النهضة" إلى العلمانية؟

31 مايو 2016
+ الخط -
فوجئ المراقبون والمتابعون للشأن التونسي بإعلان زعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي، مساء يوم 20 مايو/ أيار الجاري، أن الحركة "حريصة" على فصل الدين عن الدولة، وأن "الإسلام السياسي" فقد مبرّراته في تونس.
جاءت تصريحات زعيم النهضة في فعاليات المؤتمر العاشر للحزب، الذي انعقد وسط ظروف محلية وإقليمية ودولية بالغة التعقيد. وكان لافتاً أن الحركة افتتحت مؤتمرها بمهرجان كبير، شارك فيه الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، إلى جانب قيادات سياسية تونسية، وبحضور نوعي لضيوف محسوبين على جماعة الإخوان المسلمين من خارج تونس.
يرى مراقبون أن تصريحات الغنوشي تدل على أن حزب النهضة فكّ ارتباطه عن هويته الإسلامية السياسية، وأنه لم يعد يعتبر الدعوة الإسلامية من مهمات عضويته، وربما أصبحت هذه الخطوة تمهيداً لقطع صلته بشكل كامل مع جماعة الإخوان المسلمين، فيما يعتقد آخرون أنها خطوة تدل على شجاعة الحركة في اتخاذ القرار، لا سيما وأنها كانت أول حركة إسلامية تصل إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، عقب ثورات الربيع العربي.
يمكن اعتبار تونس التي انطلقت منها شرارة الربيع العربي، قبل حوالي خمس سنوات، الدولة الأفضل في الاستقرار السياسي وحالة الأمن والأمان، مقارنة بوصيفاتها الأخريات. وها هي حركة النهضة تقدم درساً جديداً، إذ إنها أول حركة محسوبة على تيار الإسلام السياسي تقرّر التخلي عن الدعوة، وتعلن انحيازها الكامل إلى الممارسة السياسية المدنية.
وكانت النهضة سباقة في مبادرات لفتح الحوار والنقاش مع الجماعات العلمانية واليسارية في الثمانينات، إذ عملت على التعاون مع جميع الأطياف السياسية في تونس، عقب الثورة التي أطاحت زين العابدين بن علي، على الرغم من اكتساحها للانتخابات التي جرت في أكتوبر/ تشرين أول 2011، فكان أن أجازت تونس دستورها بموافقة حركة النهضة، من دون أن ينص على أن الشريعة مصدر القوانين والتشريعات.
وبالنسبة لانتخابات عام 2014، حلّت الحركة في المركز الثاني، بعد حزب نداء تونس بقيادة الرئيس الباجي قايد السبسي، وقررت، في حينه، الدخول في ائتلاف لتشكيل الحكومة مع حزب نداء تونس، الأمر الذي أثار جدلاً بين قادتها، ليحسم القرار لصالح عدم المشاركة في الحكومة الجديدة التي أعلنها رئيس الوزراء الحبيب الصيد.
وتتابع الأحزاب والجماعات السياسية في تونس التحولات التي تشهدها "النهضة"، متسائلة عن الأبعاد والدلالات والآثار السياسية لهذا القرار. لكن، يبدو أن الحركة أخذت على عاتقها إعداد خطة كبيرة لتنفيذ هذا المشروع في الواقع، لتُشكل حزباً جديداً يواكب ما تبناه مؤتمرها العاشر، مستصحبة تجارب جماعات الإسلام السياسي في الدول الأخرى، كمصر وتركيا والسودان والمغرب.
يؤيد الرأي العام في تونس قرار حركة النهضة بنسبة كبيرة، وبحسب آخر استطلاع أُجري هناك، أوضح أن 74% من التونسيين مع فصل الدين عن السياسة. وعلى كلٍ، فإن ذلك يعني أن تتحول "النهضة" من حركة إسلامية سياسية إلى حزب مدني، يعمل من أجل أهداف سياسية، تتمثل بالوصول إلى الجماهير وإقناعهم ببرنامجه وفكره. ونتيجة هذا التحول، ستظهر عند إجراء الانتخابات المقبلة في تونس.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع