الخرطوم والنظافة

16 مايو 2017
+ الخط -
قبل نحو عامين، استبشر سكان العاصمة السودانية الخرطوم بتصريحاتٍ لحاكم الولاية المُعيّن حديثاً (آنذاك)، عبد الرحيم محمد حسين، أكّد فيها اهتمامه بثلاث قضايا، تمثّل عنده أولوية قصوى، حدّدها في أزمة مياه الشرب، ومشكلة ندرة المواصلات العامة، إلى جانب قضية النفايات.
ربما كان مبعث مصدر تفاؤل سكان العاصمة أنّ حسين يُعدّ من المسؤولين المقربين من الرئيس عمر البشير، زيادة على أنّه قادم من مؤسسة عسكرية، إذ شغل منصب وزير الدفاع طويلا، وقبله تولى وزارة الداخلية، لذلك نظروا إليه باعتبار أنّه سيكون ذا شخصية قوية نافذة ومسيطرة، وهي الصفة التي افتقدوها في حاكم الولاية السابق، عبد الرحمن الخضر.
لكنّ الوعود تبخرت، وذهبت أدراج الرياح، فقد مضى عامان من دون أن ينجز الوالي شيئاً من وعوده التي قطعها على نفسه، على الرغم من تمتُع حكومة العاصمة بإيرادات مالية ضخمة، إذ يذكر المواطنون كيف أنّ الحاكم الأسبق عبد الحليم المتعافي استغلّها محقّقاً إنجازات ملموسة في فترة مسؤولياته، فقد كانت الشوارع نظيفة برّاقة وعربات النفايات تجوب معظم الأحياء في انتظام، وفي الوقت نفسه، لم يشكُ الموظفون والطلاب من معاناة في إيجاد المواصلات العامة التي كانت متوفرة.. صحيح أنّ فترة المتعافي لم تكن مثالية بما يكفي.
وقد أقر رئيس مجلس البيئة والترقية الحضرية في ولاية الخرطوم، اللواء عمر نمر، بتردّي أوضاع النظافة، وبأنّ الوضع غير مطمئن. وقدم اعتذاراً للمواطنين لما يرونه من نفاياتٍ وتردٍ بيئي. وذلك في بيان قدمه أمام المجلس التشريعي (برلمان الولاية). وفي الإطار نفسه، حازت الخرطوم، العام الماضي، على لقب أوسخ عاصمة في العالم، في الاستفتاء السنوى الذي تصدره مجلة هيروزن الأميركية، وقد انتزعت الخرطوم اللقب بفارق كبير عن عاصمة أفريقيا الوسطى، بانغى، متفوقة عليها بخمسين نقطة من مجموع الأصوات التى يدلي بها السياح الأميركيون في كلّ عام، لاختيار أوسخ العواصم العالمية.
لجُملة الأسباب والمعطيات أعلاه، تندّر مواطنون سودانيون من الخبر الذي نشرته صحف سودانية أخيراً، عن توجيهات رئيس المجلس الأعلى للبيئة عمر نمر، لهيئة نظافة ولاية الخرطوم بإرسال خبراء من عاصمة السودان، لتقييم الوضع الراهن للنفايات في العاصمة التشادية إنجامينا، ولوضع الإطار الاستراتيجي للنظافة هناك، وتدريب الكوادر العاملة في مجال النظافة وتنظيم زيارات لهم للخرطوم، للوقوف على نظم العمل والبنية التحتية لكيفية إدارة النفايات والتخلص منها، بمعنى أنّ الخرطوم تنوي نقل تجربتها التي أهّلتها إلى المركز الأوّل بجدارة في اتساخ البيئة إلى إنجامينا.
الناظر إلى حال الخرطوم يجدها في قمة الفوضى من حيث المظهر العام، على الرغم من أنّ الموضوع ليس صعبا، ولا مكلفا مادياً، فقط يحتاج إلى إرادة قوية وحسن إدارة، حتى لو تطلّب الأمر إسناد المهة كاملة إلى القطاع الخاص، بداية من تحصيل الرسوم الباهظة التي تأخذها السلطات المحلية، ثم شراء أسطول جديد لنقل النفايات، بعد ذلك يتم تصنيفها وكيفية التخلص من النفايات التي لا يمكن إعادة تدويرها أو الاستفاد منها.
مقارنة مع دول الجوار الأفريقي، تظل الخرطوم الأسوأ مظهراً، والأقل اهتماماً بالنظافة والبيئة، يشهد على ذلك كل من زار الدول المجاورة، بما فيها العواصم الفقيرة التي لا تتمتع بموارد مالية تذكر، إذ أصبحت النفايات تشكل هاجساً كبيراً لسكان الخرطوم، بعد أن عجزت المحليات من نقلها، وأصبح الناس في حيرة: إلى أين يذهبون بها؟ إلى الميادين والساحات مثلاً؟
في السودان، تجارب واقعية في تجميل المدن وتحسين بيئتها، لعّل تجربة والي البحر الأحمر السابق، محمد طاهر إيلا، خير مثال، لما أنجزه الرجل في تجميل ونظافة مدينة بورتسودان، حيث يشهد سكان تلك الولاية وزوارها بأناقة المدينة التي يُطلق عليها لقب عروس البحر، ولم ينسَ إيلا أن ينقل خبراته إلى ولاية الجزيرة التي كُلف بها، فقد أحدث ثورةً في مجال رصف الطرق والنظافة في حاضرتها مدينة ودمدني ومدن الولاية، على الرغم من الانتقادات التي وجهت إليه أخيراً في ملفات ثانية.
بدلاً عن اتفاقيات "الشو الإعلامي" المخجلة التي تثير التندّر والسخرية. لماذا لا يهتم المُنظِّرون في وزارة البيئة والمحليات وغيرهم من الأجهزة الحكومية المتعدّدة، بالبحث في تجارب الدول المتقدمة في محطينا العربي والأفريقي؟ ولماذا لا يتبنّون حملاتٍ لحماية البيئة، وتحديد أماكن لتجميع النفايات، إلى جانب تشجيع المواطنين على ثقاقة حماية البيئة والاهتمام بنظافة الأماكن العامة والبيئة المحيطة كما النظافة الشخصية؟
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع