هل تتحرك "الوفاق" الليبية للسيطرة على سرت والجفرة إثر زيارة الوفد التركي؟

04 يوليو 2020
قوات "الوفاق: محاور القتال لا تزال على استعدادها العالي(حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -

انتهت زيارة الوفد التركي عالي المستوى لطرابلس بعد أن حملت مؤشرات على إمكانية عودة النشاط العسكري من جانب حكومة الوفاق، التي قد تفضي إلى واقع سياسي جديد، خصوصا بعد الخسارة العسكرية الكبيرة التي منيت بها قوات اللواء خليفة حفتر.

وقال المتحدث الرسمي باسم غرفة عمليات تحرير الجفرة – سرت، عبد الهادي دراه، إن الأوضاع مستقرة في محيط سرت حتى ساعات هذا الصباح.

وأضاف دراه في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "محاور القتال لا تزال على استعدادها العالي لتنفيذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة لتحرير المدينة".

وكان المتحدث باسم القطاع البحري التابع لقوات "الوفاق" العميد رضا عيسى قد أكد، في تصريحات تلفزيونية ليل البارحة الجمعة، إفشال محاولة لمليشيات حفتر للتقدم عبر البحر في مناطق غرب سرت.

ويقلل الخبير الأمني الليبي محيي الدين زكري من أهمية التحرك البحري من قبل مليشيات حفتر، معتبرا أن الخطوة جاءت فقط كرد فعل على زيادة التواصل التركي مع حكومة "الوفاق"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن القطاع البحري "لا يشكل أهمية عسكرية كبيرة تمكن أي طرف من السيطرة على مواقع ومناطق غرب المدينة".

إلى ذلك، قالت مصادر حكومية من طرابلس إن الوفد التركي، برئاسة وزير الدفاع خلوصي آكار، ناقش مع قادة قوات "الوفاق" الاستعدادات البرية والبحرية وإمكانية تعزيزها بواسطة دعم تركي.

وأكدت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن الوفد التركي ناقش بشكل واسع القدرات الجوية لقوات "الوفاق" وإمكانياتها في توسيع رقعة هيمنتها الجوية في أجزاء جديدة من سماء البلاد.

وينتظر، بحسب المصادر، أن يزود الجانب التركي قوات "الوفاق" بإمدادات لوجستية على علاقة بمستجدات الميدان وانتقاله إلى مناطق ذات طبيعية صحراوية تختلف عن شكل الحروب السابقة، في جنوب طرابلس وترهونة وغرب طرابلس.

 

ينتظر أن يزود الجانب التركي قوات "الوفاق" بإمدادات لوجستية على علاقة بمستجدات الميدان

 

واستقبل رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، الجمعة، في طرابلس، وزير الدفاع التركي لمناقشة مستجدات الأوضاع في ليبيا، كما تطرق اللقاء إلى مجالات التعاون العسكري والأمني، وبرامج بناء القدرات الأمنية والدفاعية، في إطار مذكرة التفاهم الموقعة بين البلدين في شهر نوفمبر الماضي.

وصف وزير الدفاع التركي زيارته إلى ليبيا بـ"المثمرة"، مؤكدا أنه أجرى لقاءات وصفها بالبناءة مع المسؤولين الليبيين.

وأعرب أكار، في تصريح صحافي عقب انتهاء مباحثات أجراها في طرابلس اليوم، عن تمنياته في أن يتخلص الليبيون من مشاكلهم في أقرب وقت، موضحا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعطى التعليمات للقيام بكل ما يلزم من أجل توفير كل الاحتياجات لليبيين.

وكان الرئيس التركي أكد أن أكار بدأ زيارة الجمعة إلى ليبيا لـ"مواصلة التعاون القائم مع الحكومة الليبية بتنسيق أوثق".

وقال أردوغان، في تصريحات للصحافيين بإسطنبول، إن "تركيا مستمرة في التعاون مع الحكومة الليبية الشرعية بكل عزم وإصرار"، بحسب وكالة الأناضول، مضيفا أن "وزير دفاعنا في زيارة إلى ليبيا لمواصلة التعاون القائم بتنسيق أوثق".

وتتزامن زيارة الوفد التركي مع وصول رئيس مجلس النواب المجتمع بطبرق، عقيلة صالح، إلى العاصمة الروسية "تلبية لدعوة رسمية من موسكو"، بحسب مكتب الإعلام لمجلس النواب بطبرق.

وشدد صالح، خلال تصريحات على هامش لقائه برئيس مجلس الاتحاد الروسي، على عدم شرعية حكومة الوفاق، مؤكدا أنها لم تنل الثقة من مجلس النواب.

واعتبر صالح، خلال ذات التصريحات الصحافية، أن اتفاق الصخيرات "لا قيمة قانونية له، لأنه لم يتضمن الإعلان الدستوري، ومن فرض حكومة الوفاق هو المجتمع الدولي، وبالتالي فهو من فرض أيضا حالة من الاقتتال والاضطراب في ليبيا بسبب منحه الشرعية للوفاق والاعتراف بجسم غير منتخب".

ولفت إلى أن الحل يكمن في إعلان القاهرة الذي نص على ضرورة خلق حكومة ممثلة لأقاليم ليبيا التاريخية الثلاثة.

 

مناكفة روسية تركية وصمت مصري

ويقرأ الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق أن الحدثين في طرابلس وموسكو يكشفان عن حالة المناكفة بين القوتين الأبرز في ليبيا، تركيا وروسيا، وأن الجهود الدولية بشأن وقف القتال في ليبيا ودفع الملف إلى طاولة الحل السياسي لم تؤتِ أكلها.

واعتبر البرق أن زيارة الوفد التركي، التي بدت مهمة في تصريحات الرئيس التركي، تتجه إلى دعم موقف حكومة الوفاق ميدانيا، وتتضمن رسالة بأن الخيار العسكري لا يزال قائما.

ولفت الباحث في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الزيارة قد تكشف عن مستجدات كواليس ما يجري في عواصم الدول الكبرى، مشيرا إلى أن إعلان واشنطن عن انزعاجها من منح حفتر لمرتزقة فاغنر فرصة للوجود في ليبيا، بحسب بيان لوزارة الخارجية الأميركية، موقف أميركي يشير إلى تغير كلي منها تجاه حفتر وأنه من أهم المستجدات الحالية.

ورجح البرق أن تلك التحولات التي يشير إليها الموقف الأميركي والزيارة التركية قد تؤشر إلى إمكانية استئناف القتال وتحرك قوات "الوفاق" بدعم تركي للسيطرة على مواقع جديدة، خصوصا قطاع الجفرة – سرت.

لكن المصدر نفسه يلفت إلى صمت مصري حتى الآن، لا سيما أن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، اعتبر المنطقتين "خطا أحمر".

 

صمت مصري حتى الآن

 

أما الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي، فأشار إلى فارق في جهود الدولتين، مشيرا إلى أن تركيا تمتلك حليفا لا يزال يحافظ على وجوده، كما أنه المعترف به دوليا، ولذا فزيارة الوفد التركي سيكون لها تأثير كبير في كواليس المحاولات الجارية لجر الأزمة الليبية إلى حالة التفاوض حول حل سياسي.

وأضاف الجواشي متحدثا لـ"العربي الجديد" أن استدعاء موسكو لعقيلة صالح لا يزيد عن حد المناورة السياسية، موضحا أن موسكو "فقدت حليفها العسكري القوي المتمثل في حفتر بعد انهيار مليشياته تماما، ولم تجد بديلا يمكنها الحديث معه سوى رئيس مجلس لم يعد يمثل إلا طيفا في معسكر حفتر المتشظي".

كما لفت الجواشي إلى عدم وجود أي تصريحات رسمية من الجانب الروسي إزاء زيارة صالح، "ما يعني انخفاض مستوى التوقعات الروسية منها، خصوصا أنه لم يتحدث عن جديد، ما يعني أنه لم يقدم جديدا سوى الدندنة على الحليف المصري الذي يناور هو الآخر ولا يرغب في مواصلة دعم الحل العسكري".

وأضاف "على العكس، فقد أعلن وزير الخارجية الروسي أن بلاده قررت إعادة فتح سفارتها في ليبيا، وسيكون مقرها في العاصمة التونسية، ما يعني تراجعا نسبيا في الموقف الروسي في ليبيا وطموح للبحث عن حلول أخرى لحماية مصالحها لم يوفرها مقاتلي الفاغنر ولا حفتر".

تغير ميداني وشيك

وحول ما يمكن تكهنه في المستقبل القريب، يرجح الجواشي أن تنتهي الحالة الليبية الحالية إلى المفاوضات، لكن الحراك التركي المتزايد، وعلى الصعيد العسكري، يعني أن حلفاء حفتر لم يعد لديهم الكثير من الأوراق التي يمكن اللعب بها، خصوصا مع انخراط واشنطن في ملف النفط الذي يبدو أنها افتكته من يد حلفاء حفتر.

ويؤكد أن البلاد على عتبات تغير ميداني وشيك، مشيرا إلى أن سيطرة حكومة الوفاق على قطاع الجفرة – سرت سيخلق واقعا سياسيا جديدا يجبر حلفاء حفتر على خلق طرف سياسي في شرق البلاد، ليكون الطرف المفاوض لكن على طاولة الحل السياسي هذه المرة، وليس ضمن محادثات اللجنة العسكرية المشتركة، التي لم يعد وقتها يمثل حفتر فيها أحد.

وفي الجانب الآخر من حلفاء حفتر، وبالتزامن مع زيارة الوفد التركي لطرابلس، عبرت الإمارات وفرنسا عن دعمهما للمبادرة المصرية لإنهاء الأزمة الليبية.

وبحسب وسائل إعلام إمارتية، فإن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، ونظيره الفرنسي جون إيف لودريان، أكدا على دعمهما للمبادرة المصرية لإنهاء الأزمة الليبية ورفض  ما وصفاه بـ"التدخل التركي في الشأن الليبي"، معتبرين أنه يجهض جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي للأزمة.​

المساهمون