هل باع الفلسطينيون الأقصى؟

27 يوليو 2017
+ الخط -
أشهر حجّةٍ يتكئ عليها العرب من أصحاب الهوى الصهيوني، وهم يحاولون تبرير تقاعسهم عن نصرة الحق الفلسطيني في أفضل الأحوال، وحماستهم في الانحياز للمنطق الصهيوني في أسوئها، هي الحجة التي تقول إن الفلسطينيين هم من باعوا أراضيهم في فلسطين، وتسببوا في أن يحتلها الصهاينة. وبالتالي، عليهم أن يتحملوا وحدهم النتائج، والتي هي الاحتلال الصهيوني لفلسطين، بما فيها المسجد الأقصى.
في الأيام القليلة الماضية، ومنذ بدء الأحداث التي اندلعت في قلب الأقصى، بعد الانتهاكات التي أقدمت عليها السلطات الصهيونية بتركيب البوابات الصهيونية في مداخل الأقصى ومخارجه، وبما يحكم قبضة إسرائيل على الأقصى، ويضاعف من تسلطها على كل من يرغب في الصلاة فيه، انتشرت هذه المقولة بشدّة بين متصهينين عرب كثيرين، يحاولون ترويجها بين الأجيال الجديدة، وكأنها حقيقة تاريخية، حتى أنني اكتشفت أن هناك من غير المتصهينين، ومن المؤمنين بالحق الفلسطيني، من يصدّقها فعلا، إما جهلاً حقيقيا بمسارات التاريخ، أو تأثراً بقوة الدعاية الكاذبة التي أخذ المتصهينون مهمة ترويجها بين العرب بمهارةٍ، لا بد أنها أدهشت إسرائيل نفسها!
ولعل استقراء سريعا لواقع تكوين الكيان الصهيوني يهدم تلك الإشاعة المغرضة من أساسها، ليس لأن الفلسطينيين لم يبيعوا أبدا أي أراض للصهاينة وحسب، وليس لأن من باع بعض الأراضي لهم آنذاك كان من العوائل المهاجرة من غير الفلسطينيين، والتاريخ الفلسطيني يعرفها بالاسم، وليس لأن الفساد الإداري في ظل السيادة العثمانية على فلسطين في الثلث الأول من القرن العشرين سهّل تسريب بعض الملكيات من بين أيدي الفلسطينيين إلى غيرهم، بطرق غير مباشرة وحسب. وليس لأن الفلسطينيين تنبهوا لمثل هذه الحيل باكرا، حتى أن بعض علمائهم أصدروا فتاوى بتحريم بيع الأراضي للصهاينة وحسب، وليس لأن الواقع يقول إن ما انتقل إلى الصهاينة من الأراضي الفلسطينية فعلا لا يتجاوز 1% من مجمل ما تم احتلاله فعلا وحسب، ولكن أيضاً لأن الفلسطينيين لم يتوقفوا عن النضال في سبيل استعادة أراضيهم لحظة، منذ ما قبل إعلان قيام الدولة الصهيونية.
لم يمت الحلم بفلسطين، ولم تمت القضية في قلوب الفلسطينيين أبدا. وبالتالي، من العيب واللاإنسانية تجاهل نضالهم المستمر هذا تحت أي مبرّر، أما اتهامهم ببيع أرضهم مبرّرا للوقوف في صف العدو، وتبني موقفه، فهو يتجاوز العيب واللاإنسانية إلى منطقة الخيانة الحقيقية.
ثم إن هؤلاء المتصهينين العرب يخطئون كثيرا عندما يعتبرون أن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين وحدهم، أو حتى قضية العرب ثم المسلمين وحسب، ذلك أنها قضية حقوقية إنسانية بالدرجة الأولى، مع عدم غض النظر عن قيمة الأولويات ذات الطبيعية الوطنية والقومية والدينية، في مواقف معينة منها. ولهذا، يمكن اعتبارها أوضح قضية يتمايز فيها الحق عن الباطل، فهي وطنٌ سلب، جغرافيا وتاريخا ووجودا ثقافيا وحضاريا، من شعب، بقوة التآمر والخديعة والحيلة والسرقة والتواطؤ والقتل والتهجير، ليعطى إلى مجموعة من الناس، أتوا من بلدان وأوطان مختلفة، ليحتلوا البلاد ويطردوا العباد. هكذا.. بهذه البساطة والوضوح.
أما من لا يريد أن يعرف ويرى، حتى عبر هذه البساطة وهذا الوضوح، فعليه أن يطلع على قرارات "يونسكو" الأخيرة التي نفت وجود أي ارتباط ديني لليهود بـالمسجد الأقصى وحائط البراق، واعتبرتهما تراثا إسلاميا خالصا، لعله يقتنع أن الأقصى يستحق الدفاع عنه، وطرد أي صهيوني يحاول انتهاك حرمته "الإسلامية"، من ناحية حقوقية دولية على الأقل.
CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.