هل الحق على القارئ؟

21 فبراير 2020
ناصر حسين/ سورية
+ الخط -

ما الذي يجعل الرواية المترجَمة، سواءٌ جاءت من الغرب أو من الشرق، أكثرَ مقروئية من الرواية العربية، سواء جاءت من المغرب أو من المشرق؟ من يتحمّل المسؤولية عن هذا الكساد المحرج، وعن هذه العلاقة المبطنة باللامبالاة أو بالإهمال والتجاهل تجاه الرواية العربية؟

لماذا تأخذ رواية مثل "الصيف الجميل" للإيطالي تشيزره بافيزه اهتماماً معلناً من قبل القرّاء، وهي رواية عادية بجميع المقاييس، حتى لو كان كاتبها شهيراً، بينما تذهب رواية مثل "خالتي صفية والدير" لبهاء طاهر إلى النسيان، وهي التي تتفوّق على "الصيف الجميل" في البناء الفنّي والرسالة الإنسانية، إضافة إلى أنها مكتوبة بالرهافة اللغوية التي عُرفت عن لغة طاهر الروائية؟

أحد الأجوبة المقترحة، والتي قد تُرضي بعض القرّاء، أن يكون الروائي العربي المسؤولَ عن تهدّم العلاقة بينه وبين القارئ، إمّا لأنه ضعيف لا يعرف الكتابة الفنية المشوّقة الممتعة التي تشدّ انتباه القارئ، وتخلق لديه الرغبة في القراءة، أي أنَّ الرواية العربية لا تزال تفتقر إلى النضج، وإمّا لأنه يكتب عن قضايا ومسائل وشخصيات لا يهتمّ بها القارئ العربي، أي إنه مقطوع عن الواقع الذي يواجهه.

هل هذا صحيح؟

هل الحق على القارئ إذن؟

لنجرّب أن نضع المسؤولية على عاتق القارئ العربي، فماذا يريد حقّاً؟ هل هو راغب في الهرب من واقع آخر متخيَّل يعيد إنتاج الواقع نفسه الذي يعيشه؟ ماذا ستقول له الرواية العربية غير ما يعرفه وما يعيشه؟ وماذا ستقول له الرواية غير إعادة إنتاج همومه ومصاعبه اليومية

لكن أين نذهب بالواقعية؟ ولِمَ يهرب القرّاء هنا في العالم العربي فقط من واقعهم إلى واقع آخر؟ فمن المعروف أن الرواية الفرنسية مثلاً تطبع في فرنسا عشرات آلاف النسخ، أي أن القارئ الفرنسي لا يزال يرغب في قراءة رواية عن فرنسا، والقارئ البريطاني لا يزال يرغب في قراءة رواية عن بريطانيا، وقُل مثل ذلك عن إيطاليا والولايات المتّحدة وغيرهما، فالروائيون هناك يطبعون أعداداً من النسخ يفوق ما يطبعونه في بلاد أخرى حين يترجَمون إلى أي لغة.

وقد يُقال إنَّ هموم تلك المجتمعات باتت هيّنة وتنتمي إلى القضايا الخالدة كالحب والصداقة، بينما يختنق العالم العربي في سلسلة لا نهائية من المشاكل المستعصية التي تسدّ عليه أفق المستقبل، لهذا ترى القارئ يفرّ من استعادة الواقع إلى عوالم أخرى.

وبينما ينتظر بعض الروائيّين العرب لحظة أن يترجَموا إلى أية لغة، ليحتفوا بها وبأنفسهم، بعد أن فقدوا الأمل في أن يُقرأوا هنا، وإذ هناك من بينهم من يأمل أن "يعود" شهيراً يفرض اسمه، فإن من بينهم من يعلم أن الوصول إلى القارئ الآخر بات صعباً أيضاً، وأن الترجمة لا تحلّ قضية التواصل البتة.

لا تستغرق الإجابات السابقة قضية العلاقة بين الروائي أو الرواية والقارئ، وتبدو المسألة ناقصة باستمرار حين تبحث عن جواب، أي عن حل، ولا تلاقي غير المزيد من الأسئلة.


* روائي سوري

المساهمون