هل أفتى محمد عمارة بقتل فرج فودة؟

10 مارس 2020

فرج فودة

+ الخط -
كتب أحدهم أن الشيخ محمد الغزالي ذهب إلى المحكمة (بعد) قتل فرج فودة ليبرّر مقتله، وينقذ قاتليه، ولم يكتف بذلك، إنما أصدر بيانًا لتأييد القتل، وقع عليه الشيخ متولي الشعراوي، ومحمد عمارة، وجبهة علماء الأزهر، وبعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. كانت هذه الفقرة من المقال لافتة آلاف الحسابات على مواقع التواصل يوم وفاة عمارة، اعتبرها أصحابها "دليلا" على تورّط عمارة في قتل فودة، (لاحظ: البيان المزعوم صدر بعد قتل فودة)، وأن من يوقّع على القتل فهو يبرّر القتل فهو قاتل، وأن عمارة تكفيري، ومعه الغزالي، ومعهما الشعراوي، وبالمرة علماء الأزهر، وبعض أعضاء "الإخوان" لزوم تسخين الأجواء. 
شهادة الغزالي حدثت، بتفاصيلها، وكانت بعد الاغتيال، لم تدفع إلى قتل الرجل، لكنها دافعت عن قاتليه، كلاهما مصيبة، لكنهما ليسا سواء، إذا كان من يقرأ ويحلل يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة. وعلى الرغم من ذلك، يظل اتهام الغزالي، ولو بشكل مبالغ فيه، مفهومًا، ذلك لأن الغزالي دار حول مسرح الجريمة، ولو بعد وقوعها. ما أدهشني وجود اسم عمارة في البيان، وهو الذي لم تتجاوز علاقته بفودة حدود مناظراته معه. بحثتُ عن البيان، وحدسي يخبرني أن اسم عمارة أضيف اختلاقا، لكنني فوجئت بأن أسماء الجميع أضيفت، إلى بيانٍ جرى اختلاقه، فلا وجود لبيان يحمل هذه الصفة أصلا. لم يُصدر الغزالي شيئا، ولم يوقّع عمارة على شيء، ولا الشعراوي، ولا غيرهما، لا جبهة علماء الأزهر، ولا حتى الإخوان المسلمون. الموضوع كله مفبرك، من الألف إلى الياء. رواية أخرى للبيان، تشارك الأولى في أنها بلا مصادر، تقول ما قالته الرواية الأولى مع فرق أن الذي أصدر البيان ليس الغزالي، إنما جبهة علماء الأزهر، أصدرته ووقّع عليه الغزالي وأصحابه! ذهبت إلى أرشيف الجبهة، لأفاجأ للمرة الثانية، جبهة علماء الأزهر لم تكن موجودة أصلا، وقت اغتيال فرج فودة، الجبهة تأسست عام 1946، ثم توقفت أواخر الثمانينيات، لتعاود نشاطها في 1994، أي بعد وفاة فودة بعامين!
تحاول روايات أخرى، أقل انتشارًا، ترقيع كل هذا القدر من الكذب، فتبحث عن أي بيان، صدر في أي وقت، يتكلم عن أي موضوع، يخصّ فرج فودة، لتقول إنه البيان المقصود، تجد بيان ندوة علماء الأزهر. الاسم شبيه بجبهة علماء الأزهر، الفرق كلمة، جبهة وندوة. يقول أصحاب الرواية إن ندوة علماء الأزهر تحولت فيما بعد إلى جبهة علماء الأزهر. كذبة أخرى، تمر من دون "سيرش" واحد للكشف عن صحتها، فماذا عن البيان الجديد؟ البيان سياسي، أصدره رئيس الندوة، عبد الغفار عزيز، لتحريض لجنة الأحزاب على رفض أوراق حزب المستقبل الذي كان يريد فرج فودة تأسيسه، بعد خلافه مع حزب الوفد. ولم يفت عزيز ورفاقه استخدام الدين مبرّرا لرفض الحزب، والتخويف من أفكار فودة التي تزيد من الفتنة. بيان منحط، ولا شك، ولكن، ما علاقة محمد عمارة بالموضوع؟ لا شيء، هل كان عضوا في ندوة علماء الأزهر؟ لا، هل وقّع مع عزيز ورفاقه؟ لا، هل وقع الغزالي؟ لا، هل وقع الشعراوي؟ لا، الإخوان؟ لا، السلفيون؟ لا، الكابتن مدحت شلبي؟ لا، أي أحد نعرفه؟ لا، ما الذي حدث إذن؟ ما حدث هو التواطؤ على الكذب بين من اختلق ومن روّج ومن صدق، لصالح من يحكم، سواء أدرك المتنازعون ذلك أم لم يدركوه. عمارة بالنسبة إلينا مفكر نختلف معه ونتفق، فيما هو بالنسبة للسلطة معارض وحسب.
الأخطر أن انتشار الكذبة، وتصديقها، وترديدها، ومناقشتها على صفحات كتّاب ومفكّرين ومثقفين، كبار، يتجاوز الترحيب بالكذب والتهليل له وترويجه لتصفية حساباتٍ سياسية، وأيديولوجية، مع رفيق قديم، إلى القابلية للتكفير والتكفير المضاد، باستخدام كل الأدوات المشروعة، وغير المشروعة، فإذا كان بعض الإسلاميين ينالون من خصومهم بالكذب على الله، فإن بعض خصومهم سينالون منهم بالكذب على الناس، الجريمة واحدة، في نوعها، مختلفة في درجتها، فما الفرق، وماذا بعد؟