برزت خلال الأحداث الأخيرة والمواجهات بين فلسطينيي الداخل وشرطة الاحتلال الإسرائيلي، لنصرة هبّة القدس المحتلة والأقصى، حالة جديدة، تُظهر عدم القدرة على التمييز بين العربي واليهودي الشرقي، من ناحية الهيئة والشكل الخارجي.
ويرتبط الهلع أساساً بالصورة النمطية للعربي في مخيلة اليهود الغربيين (الإشكناز)، ما أدى إلى إطلاق نار على يهودي شرقي في ضواحي مدينة حيفا، لأن مستوطناً يهودياً ظنّه عربياً فقط، وفقاً لهيئته وشكله الخارجي ولونه. ورداً على حالة الخوف التي سادت في أوساط يهود شرقيين كثر، من احتمال تصنيفهم بأنهم "عرب"، انتشرت في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، عبارة كتب عليها شاب يهودي شرقي "أنا يمني. أرجو عدم الهلع".
وتُظهر الوضعية الجديدة عدم قدرة الصهيونية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على صهر مختلف الأعراق اليهودية في سياق الخدمة العسكرية الإلزامية في جيش الاحتلال، على الرغم من تغنيّهما بهذا الوضع طويلاً. وقد أظهر مختلف الوقائع وجود الاختلافات العرقية بين اليهود، خصوصاً أن التزاوج بين الشرقيين والغربيين مقصور على حالات فردية وبأعداد ضئيلة، حتى أن التزاوج بين الشرقيين أنفسهم محكوم بأصول كل جماعة في بلاد العرب. وأدى ذلك في النهاية إلى "تأخر" تأثير الزواج المختلط، في شكل وهيئة ولون بشرة الأبناء والأحفاد من الزواج المختلط.
ويتابع "الأصول العربية لهؤلاء اليهود تجلّت في البدايات، وفق نتائج استطلاع أجريته، إذ كان 40 في المائة من الجيل الأول من اليهود الشرقيين يتحدث اللغة العربية. أما أبناء الجيل الثاني من الشرقيين الذين ترعرعوا في البلاد، فيتحدث نحو 20 في المائة منهم اللغة العربية، بينما يتحدث أقلّ من 1 في المائة من الجيل الثالث من اليهود الشرقيين اللغة العربية. بالتالي فإنه تمّ عملياً تهميش ومحو اللغة العربية من جيل إلى جيل".
اقرأ أيضاً: الصحافة الإسرائيلية: "كيد نتنياهو يرتد عليه... إنه يقسّم القدس"
ويشرح شنهاف "لقد محت الصهيونية اللغة العربية، لكن الشكل والمظهر الخارجي الشبيه بالعربي بقي. وبفعل الخوف من شبهة العروبة ولتعزيز الاندماج، لجأ الشرقيون لتمييز أنفسهم عبر اعتمار القبعة الدينية اليهودية (كيباه) على رؤوسهم، ولبس نجمة داوود في قلائد مدلّاة على صدورهم".
ويشير إلى أن "ذلك يُظهر مدى حاجة هؤلاء إلى التمايز عن العرب والتشديد على الانتماء للمجتمع اليهودي. ويوضح هذا أن اليهود الشرقيين أكثر يمينية وعنصريون ضد العرب. هم أكثر عنصرية من الأشكناز حتى".
ويرى أنهم "يعزلون أنفسهم أكثر عن العرب، وهم أكثر من يصرخ: الموت للعرب. حتى إنهم يشعرون بأنه يجب أن يكون لديهم ولاء أكثر من أي فريقٍ يهودي آخر. وهذا نابع من الشعور بالنقص. وكل ذلك من أجل أن يثبتوا يهوديتهم أكثر".
لكن شنهاف يكشف جانباً آخر لليهود الشرقيين: "لا يعني كل هذا تخلّيهم عن بعض جوانب الثقافة العربية، بل ظلّت تلك الجوانب مسيطرة عليهم". ويُبيّن أن "اليهود الشرقيين يسمعون الموسيقى العربية الشرقية ويأكلون الأكل الشرقي، ويحملون نفس العقلية الشرقية. وفي مجتمع يوجد به تسلسل هرمي وعنصرية بين يهود وعرب، فإن هذا التسلسل الهرمي يحدد مكانة اليهود العرب. وإذا تواجدت العنصرية تجاه العرب، فستكون حتماً موجودة أيضاً تجاه اليهود الشرقيين. بالتالي فإن التناقض يتضح حين تعود عنصرية الشرقيين عليهم وتُشكّل صفعة في وجوههم، وهم ضحايا عنصرية أنفسهم".
من جهته، يُبدي محاضر العلوم السياسية في جامعة حيفا، مهند مصطفى، اعتقاده بأنه "يجب التفريق بين الغبن التاريخي الذي مرّ به اليهود الشرقيون بسبب أصولهم الشرقية وثقافتهم الشرقية، وما نتج عن ذلك على مستوى الهوية والوعي لديهم، وبين هذه الأحداث".
ويتفق مصطفى مع ما يقوله شنهاف، موضحاً أن "الشرقيين يتبنون مواقف يمينية وعنصرية تجاه العرب لا تختلف عن مواقف يهود أشكناز، بغض النظر عن الأسباب التاريخية والنفسية التي أدت بهم الى بناء مثل هذه المواقف".
مع ذلك يرى أن "هذه المسألة لا تشغل بالضرورة بال الشرقيين أو الجهات الرسمية، على الرغم من حالات هلع فردية، ولن تُعيد ملامح اليهودي الشرقي الخطاب الطائفي والجهوي في المجتمع الإسرائيلي، فهو موحّد ومجنّد مع الحكومة الإسرائيلية في قمع الانتفاضة بكل الطرق. بالتالي لن تكون مسألة الملامح الشرقية نقطة نقاش حالياً في المجتمع الإسرائيلي".
ويؤكد أنه "لو حدثت مثل هذه الظواهر القليلة في سياق آخر، غير سياق الصراع مع الفلسطينيين وقمع الإنسان الفلسطيني، لقلت إنه سيظهر على السطح بشكل كبير، ولكانت له تداعيات على التصدع الاجتماعي الإسرائيلي، ولكن في سياق الصراع مع الفلسطيني ومشروعه الوطني، فإن ملامح اليهودي الشرقي لن تكون سبباً في ظهور أي نوع من الصراعات".
اقرأ أيضاً: عنصرية على مواقع التواصل العبرية