تحت عنوان "فضاءات مواربة" يختتم اليوم معرض التشكيلية اللبنانية هلا عز الدين (1989) في غاليري "أجيال" في بيروت، وهو معرضها الفردي الأول، والذي يتضمّن خمسة عشر عملاً، كل واحد منها يحمل اسم طفل؛ "شهد، أحمد، منير، مروة، حلا، تسنيم…".
أعمال المعرض بورتريهات تعيد إلى الأذهان لوحة "الطفل الباكي" الشهيرة، بريشة معاصرة منحازة إلى التجريد من دون أن تتخلى عن بعض خصائص الواقعية والتعبيرية، أما الشخصيات في اللوحات فهي ليست من خيال عزالدين، بل هم تلاميذ الفنانة (لبنانيون ولاجئون) التي تدرّس الرسم في بلدة عرسال البقاعية الواقعة على الحدود السورية اللبنانية، والتي شهدت تدفقاً كبيراً لـاللاجئين السوريين.
ترسم عز الدين أطفالها -أبطال أعمالها- بوجوه غائمة خلف الأزرق، تزيد من حدة البرد أكوام من الأبيض الذي يبدو كما لو كان ركاماً من الثلج، حيث الأطفال شخصيات شتائية مستسلمة للعراء، وراءها نلمح جروداً ضبابية وأطلال أمكنة وأعمدة لبيوت منهارة؛ ثمة طفلة تحمل الحطب، وآخر يحمل قشة ربما يلهو بها، ثمة طفل يتأمل فقط. لكن كلهم ينظرون مباشرة إلى المتفرج، هؤلاء الأطفال هم أنفسهم موضوع الفوتوغرافيا في وسائل الإعلام، لكنهم حاضرون هنا كحقيقة وليسوا مجرّد صورٍ لاستهلاك الإعلام.
إلى جانب الأعمال ذات الألوان الغامقة التي لا تخرج خياراتها عن الرمادي، والأسود، والبني، والزيتي، والأحمر؛ ثمة أعمال مرسومة بالرصاص، وهي امتداد للتجربة التي بدأتها الفنانة (حصلت على جائزة "بوغصيان"، 2015)، قبل أربع سنوات، حيث كانت ترسم تلاميذها بقلم الرصاص والممحاة وكذلك الحبر؛ كان المحو جزءاً من الرسم، ولكن ماذا تمحو الفنانة وعلى ماذا تبقي؟ تراكمت البورتريهات، إلى أن حوّلت عز الدين بعضها إلى لوحات بالأكريليك والألوان الزيتية والمائية.
الشيء الواضح في مجمل الأعمال هو العيون، الوجوه تبدو كما لو أنها توشك على التماهي مع الطبيعة القارسة حولها، لكن العيون تظلّ واضحة محددة وتصوّب النظر بقوة. عرفت عز الدين كيف تستغل مساحاتها وتكثفها، وتملؤها بتجارب الأطفال التي تخطت أعمارهم، كأنها تحمّل هذه الوجوه كل ما فعله التشرد والحرب والفقر والعراء.
ثمة عشوائية مقصودة في تشكيل سطح اللوحة، ثمة ضربات متفاوتة القوة مع المحافظة على حركة الظل والضوء بكامل المعايير البصرية، أما الخلفية التي تظهر مناظر لقرى ومدن من زمن الحرب أو لمناظر طبيعية مضببة، فهي الحكاية التي أتى منها هؤلاء الأطفال، في أعمال مليئة بالتشعبات الغامضة، بالحزن والخوف والحنين.
بورتريهات هلا عزالدين لأطفال تعرفهم رسمتها وأطّرتها بالتضاريس الجرداء، وبتقشف كبير في التفاصيل، مقتطعة صور الأطفال من الأصوات والصخب والميديا، وتاركة لوجوههم الذاهلة المواجهة مع من ينظر إليها.