شكل اجتياح قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الموالية لبرلمان طبرق لمنطقة الهلال النفطي انعطافاً غير متوقع في الصراع الدائر في ليبيا، إذ تمكنت قواته، الأسبوع الماضي، من الاستيلاء على أهم موانئ تصدير النفط في البلاد (الزويتينة، والبريقة وراس الانوف والسدرة).
ويتوقع مراقبون للشأن الليبي أن تؤدي خطوة حفتر إلى زيادة الفوضى والانقسام في البلاد، وتحويل اهتمام حكومة الوفاق، برئاسة فائز السراج، عن محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سرت بعدما قاربت على هزيمته بشكل نهائي.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ودولاً كبرى في الاتحاد الأوروبي طلبت من حفتر ضرورة سحب قواته دون قيد أو شرط مسبق، وضرورة وضع مواقع النفط في البلاد تحت سيطرة المجلس الرئاسي، إلا أن نداءات هذه الدول الكبرى لم يستجب لها.
وقد تمكنت قوات حفتر في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري من فرض سيطرتها على هذه الموانئ الكبيرة وطرد حرس المنشآت النفطية الموالي للمجلس الرئاسي دون مقاومة، لكن خبراء اعتبروا هذه الخطوة تزيد من تعقيد الأوضاع في البلاد، التي حرمت من حكومة موحدة منذ الإطاحة بحكم، العقيد الراحل معمر القذافي، في 2011، لتنقسم البلاد إلى عدة مناطق نفوذ.
ومكن هذا الانقسام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من ملء الفراغ منذ عام 2014، إذ أشارت تقديرات سابقة إلى أن عدد مسلحي "داعش" المتواجدين بليبيا ما بين 4000 إلى 6000.
ويقود حفتر، الحليف السابق للقذافي، حرباً في شرق ليبيا، منذ مايو/ أيار 2014، تمكن من خلالها من السيطرة على قطاعات من بنغازي ومناطق أخرى، لكنه لم يتوصل إلى نتائج كبيرة مقارنة بطول فترة الحرب التي لم تتوقف حتى الآن. في المقابل، تتواجد القوات الموالية للمجلس الرئاسي في عديد المدن في غرب ليبيا، لكن حفتر ومواليه السياسيين في البرلمان لا يعترفون بها ويعتبرون القوات الموالية لها "مليشيات إرهابية".
ومنذ مايو/ أيار الماضي أصبحت مدينة سرت وجهة قوات المجلس الرئاسي، حيث استطاعت أن تحرز انتصارات كبيرة على "داعش" الذي يتخذ المدينة معقلاً رئيساً له، لكنها ستضطر إلى القتال على جبهتين الأولى تواجه "داعش"، والأخرى لصدّ تقدم قوات حفتر إذا ما فكر في التقدم غرباً.
ويعتبر متابعون للشأن الليبي أن تحرك حفتر مغامرة لم يحسب عواقبها، وأنه يكرس بخطوته هذه مشروع التقسيم.
واعتبر آخرون أن المعضلة تكمن في صعوبة التكهن بسلوك حفتر، خصوصاً وأن المجلس الرئاسي لم يتوصل، حتى الآن، للغة مشتركة معه ومواليه.
لكن المؤكد، أن تقدم حفتر إلى منطقة الهلال ستؤثر سلباً على الحرب على "داعش" في سرت؛فقوات البنيان المرصوص، التابعة للمجلس الرئاسي، باتت تفكر جدياً في تقليص قواتها المحاصرة للتنظيم لنقل جزء منها إلى الجهات الشرقية لسرت استعداداً لمواجهة أي تقدم من قبل حفتر باتجاهها.
ويبدو أن المعضلة الأساسية التي أمدت في عمر حفتر وحروبه تكمن في عدم جدية اللاعبين الدوليين لحسم الخلاف في ليبيا. فالدول الكبرى، وإن لم تتوقف عن إعلان دعمها للسراج ومجلسه الرئاسي، إلا أن بعضها لا يزال على صلة وثيقة بحفتر، الذي استضافت قاعدته في بنغازي عدداً من الخبراء والضباط البريطانيين والأميركيين، بل شاركت قوات فرنسية في القتال في صفوفه. ولا يخفى، أيضاً، الدور المزدوج الذي تلعبه القاهرة الداعم الأساسي لحفتر من خلال استضافتها للقاءات حوارية بين الأخير وخصومه في المجلس الرئاسي.
وعلى الرغم من إعلان المؤسسة الوطنية للنفط عزمها البدء في تصدير النفط إلا أن الواقع يرفض هذا، فتبعية حقول النفط تتنقل على الدوام. ومن المؤكد أنه ليس لدى المجلس الرئاسي والبرلمان القوة الكافية لضمان وتأمين حقول وموانئ النفط لتستعيد عافيتها وتقوم بتصدير النفط بشكل منتظم.