هكذا خسرت الصناعة التونسية 55 % من إنتاجها

16 مايو 2016
إغراق السوق التونسية بالمنتجات المستوردة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
تقدّم الدولة تسهيلات جبائية وجمركية تماشياً مع الخطة الوطنية لدعم الصناعات التصديرية والخروج من حالة العجز، التي يعاني منها الميزان التجاري منذ أكثر من عقدين. هذه السياسة التي انطلقت منذ عام 1995، تاريخ انضمام تونس إلى منظمة التجارة العالمية، لم تؤت ثمارها، حيث سجل الميزان التجاري لسنة 2015 بحسب بيانات وزارة التجارة عجزاً فاق المليار و200 ألف دولار. الإجراءات، التي أعقبت انضمام تونس إلى منظمة التجارة العالمية وفتحت السوق المحلية أمام المنتجات المستوردة، لم تقتصر ارتداداتها على المبادلات التجارية، بل أثر هذا العجز المتواصل على مختلف القطاعات الاقتصادية، كالصناعة والفلاحة، مما زاد من تدهور الوضع الاقتصادي وتعميق انعكاسات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
التبادل التجاري الحر، عنوان مغر بالنسبة للأسواق العربية التي تعاني من ركود، ناجم عن انكماش الاستهلاك وتراجع الإنتاج، ولكن فتح الأسواق العربية والسوق التونسية خصوصاً، أمام المنتجات المستوردة لم تكن نتائجه كما توقع المسؤولون الحكوميون.
ويستعرض الخبير الاقتصادي، محمد ياسين السوسي، الارتدادات السلبية للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، مشيراً إلى أن هذه الخطوة أدت إلى القضاء على صناعة النسيج في تونس لانعدام القدرة التنافسية بسبب عدم امتلاك التكنولوجيا المتقدمة، التي تميز عادة هذا القطاع. واستناداً إلى دراسة قام بها البنك الدولي، أدت اتفاقية 1995 إلى القضاء على نحو 55% من النسيج الصناعي التونسي، بسبب تراجع القدرة التنافسية للمؤسسات الصناعية إلى جانب الخسائر المالية التي تكبدتها مداخيل الدولة منذ إبرام الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ، حيث تراجعت هذه المداخيل نحو800 مليون دولار، جراء إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع الأوروبية.
وتسبب حرمان الدولة من الإيرادات الجبائية، بحسب السوسي، في حدوث عجز أكبر في ميزان المدفوعات ناهز 6% عام 2015، وهو ما أدى إلى الغرق في دوامة الاقتراض والديون والتبعية للخارج.

من جانب آخر، شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً بمعدل 7% سنوياً، بسبب رفع الدعم عن الصادرات وارتفاع حجم الواردات، خاصة في ظل التبعية الغذائية الكبيرة للخارج.
ويضيف الخبير السوسي:" إن القطاع الفلاحي تضرر بشكل كبير نتيجة إغراق الأسواق بالمنتجات الغذائية المستوردة، مما أدى إلى توريط الفلاحين في ديون ناهزت 40 مليون دولار لتعويض خسائرهم المتتالية، نتيجة ارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة، وتراجع الصناعات التحويلية المحلية، وتدني تنافسية المنتجات الزراعية التونسية، على غرار الحليب، حيث لم تتجاوز صادرات تونس منه سوى مليوني ليتر عام 2015 مقابل فائض بلغ 61 مليون ليتر.
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي، عماد بن سليمان، أن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يقتضي قبل كل شيء الالتزام بجملة من الشروط، خاصة وأن الحكومة التونسية كانت قد بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات في هذا الاتجاه، حتى قبل الانضمام رسمياً إلى منظمة التجارة العالمية في آذار/ مارس 1995.
ويقول: "من جملة هذه الشروط، تسهيل التجارة وتفكيك الحواجز الكمية أمام الواردات، إضافة إلى تعديل التشريعات الوطنية مع مقتضيات اتفاقات المنظمة، حيث اشترطت منظمة التجارة العالمية على تونس تقديم جدول للتنازلات يحتوي إعفاءات جمركية، وإجراءات لفتح السوق المحلية أمام الواردات، وإزالة كل الحواجز أمام المنتجات المستوردة، وحركة السلع ورؤوس الأموال الأجنبية".
ويشير بن سليمان إلى أنه، ورغم المراهنة على تحرير التجارة الخارجية، إلاّ أنّ الواقع كان مغايراً تماماً، حيث حافظ الميزان التجاري على عجزه طيلة العقدين التاليين، وكانت حصيلة المبادلات التجارية عام 2015 سلبية بقيمة تناهز ملياراً ومائتي ألف دولار وبنسبة تغطية لا تتجاوز 70%.
وقبيل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، كانت حصيلة المبادلات التجارية عام 1994 سلبية هي الأخرى بقيمة تصل إلى مليار دولار، حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء. لكن الملاحظة الأهم من خلال متابعة تطور قيمة الواردات والصادرات خلال السنوات العشرين الماضية هي الطفرة في المنتجات المستوردة منذ عام 1994 إلى عام 2015،
إذ رغم الإحصاءات التي تشير إلى أن الصادرات التونسيّة في ارتفاع، حيث تشمل المواد المنجمية والغذائية والصناعية، والتي بلغت السنة الماضية 10 مليارات دولار، إلاّ أن واردات البلاد شهدت ارتفاعاً متواصلاً ناهز عام 2015، ما يقارب 12 مليار دولار، وهو ما يفسّر العجز المسجل في الميزان التجاري، إذ إن طبيعة الصادرات التونسية، التي تعتمد خصوصاً على المواد الغذائية والصناعات التحويلية، لا تقارن من حيث القيمة المضافة بما تستورده البلاد، وهو ما يفسر الاختلال الواضح في النتائج التي تسجلها التجارة الخارجية، في حين يؤكد السوسي أن تراجع مؤشر الإنتاج الصناعي، ساهم بدوره في ارتفاع نسب البطالة بسبب الكساد وضعف القدرة الشرائية، حيث لم تستطع المشاريع الصغرى والمتوسطة المحلية، والتي تمثل 80% من النسيج الصناعي والخدماتي في البلاد، مواجهة المنافسة الأجنبية والأوروبية بالخصوص، مما أدى بحسب بيانات الوكالة الوطنية للتشغيل إلى إحالة أكثر من 500 ألف من اليد العاملة إلى البطالة خلال العقدين الماضيين.
ويختم السوسي: "إن إغراق الأسواق المحلية بالمنتجات المستوردة دون امتلاك القدرة على التصدير وتعديل الميزان التجاري أدى إلى شلل الصناعيين والفلاحين، وتحويل تونس إلى ما يشبه السوبر ماركت الكبير لفائض المنتجات الأجنبية التي تستنزف الاقتصاد المحلي واحتياطي البلاد من العملة الصعبة".


المساهمون