الرحلة إلى سربل ذهاب صعبة. لكنّ شيئاً لا يقارن بصعوبة يوميات السكان بعد خطف الزلزال أرواح أقاربهم وتدمير منازلهم. "العربي الجديد" كانت هناك لتنقل صورة أوضح من قلب المدينة المدمرة
حين تصل إلى مدينة كرمانشاه، غرب إيران، لن تجد ملامح واضحة لما خلفه الزلزال، لكن كلما ابتعدت عن مركزها نحو الحدود مع إقليم كردستان العراق، ستبدو الصورة أوضح.
يستغرق الوصول إلى سربل ذهاب نحو ساعتين من كرمانشاه. هي المنطقة التي دفعت الثمن الأكبر، فحصيلة القتلى فيها هي الأعلى حتى الآن، بالرغم من أنّ الزلزال ضرب مناطق عدة في إيران، كما أنّ حصتها من الأضرار والخسائر المادية هي الأكبر.
في الطريق نفسه، يسارع سائق سيارة الأجرة إلى سؤالي عما إذا كنتُ قد حضرت لتغطية زيارة الرئيس حسن روحاني إلى المناطق المنكوبة، فقد صادف وصوله إلى المدينة في التوقيت نفسه. ردّي وردّ الزملاء الآخرين كان حول اهتمامنا بتغطية ما يحصل مع المدنيين أكثر، وهو ما كان كفيلاً بمد جسر صداقة مع الرجل الذي عاش لحظة الزلزال المفجعة مع ذويه في تلك المنطقة. المدنيون هنا يشعرون أنّ على الإعلام أن يسلط الضوء على ما حصل، علّ صوتهم يصل إلى الجميع.
يتحدث السائق منتظري عمّا حصل ونحن في طريقنا إلى سربل ذهاب. يقول إنّ كرمانشاه اهتزت طوال عشرين ثانية تقريباً، وبأنّ سربل ذهاب بقيت تهتز أكثر من ثلاث دقائق. يشير إلى أنّ هزة أخف استبقت الزلزال المفجع، فأخرجت كثراً من بيوتهم قبل وقوع الكارثة الكبرى، وهو ما جعل عدد الضحايا أقل بحسب رأيه.
في الطريق الذي تحده جبال شاهقة صعبة التضاريس من كلّ جانب، تعبر سيارات عديدة للشرطة وفرق الإغاثة، وإلى جانبها تمر سيارات لمواطنين يقصدون سربل ذهاب أيضاً، للاطمئنان على ذويهم أو لإيصال المعونات إلى المنكوبين، أو حتى لتعزية من فقدوا أقارب لهم، وهو ما يتضح من الملابس السوداء التي يرتدونها.
مع اقترابنا أكثر تختلف طبيعة الجبال القاسية، وتظهر عليها أشجار متناثرة، فسربل ذهاب قريبة من السليمانية في كردستان العراق، ويسكنها أكراد إيران. قبل الوصول إلى وجهتنا نمرّ بمدينة إسلام أباد غرب، التي يعيش سكانها لحظات صعبة كذلك، وفي ميدانها الرئيس ينتشر الباعة الجوالون يحملون مياهاً وفاكهة، وملابس شتوية ثقيلة، وهو ما قد يؤشر إلى أنّ المعونات وحدها لا تكفي.
اقــرأ أيضاً
عند مدخل سربل ذهاب حاجز تفتيش عسكري. تكثر القوات التابعة للجيش الإيراني هناك، ويقال لنا إنّ هذا الحاجز هناك دائماً، فسربل ذهاب منطقة حدودية حساسة، وهو ما يجعل الإجراءات الأمنية فيها مشددة، فضلاً عما حدث ودفع المسؤولين إليها لتفقد الأوضاع، ما يستدعي استنفاراً أعلى.
مع دخولنا إلى المدينة، نلاحظ الازدحام المروري. كثر يعبرون بسياراتهم يحاولون الحصول على المساعدات لذويهم ممن يجلسون في خيم الإيواء بانتظارهم. أما الخيم فتنتشر في الحدائق العامة وعلى أطراف الطرقات، وبعيداً عن المساكن المتهالكة. وبالرغم من الأضرار الشديدة الملحوظة من كلّ صوب، لكنّ سربل ذهاب كانت مدينة ذات وضع اقتصادي جيد نسبياً علماً أنّ غالبية سكانها تعمل في الزراعة.
المحطة الأولى في حي سكني لا يتجاوز عدد طوابق مبانيه ثلاثة. هناك سقط الركام على سيارات تركت مكانها في منطقة تحولت إلى مدينة أشباح، فسكانها هجروها لأنّ المنازل مهدمة، أو لأنّها مشققة الجدران. في حي ثانٍ قريب اسمه فولادي، وهو أقدم، تعمل الجرافات وفرق الإنقاذ على انتشال عالقين. معظم من يقدمون هذه المساعدات هم من الجيش الإيراني. يخرج هؤلاء ما استطاعوا من أدوات المنزل غير المتضررة لإعطائها لأصحابها ممن يتوافدون إلى المنطقة بين الحين والآخر.
يخرج الخمسيني أبادي من زقاق تتراكم فيه الحجارة وهو يحمل سلة فيها بعض الخضار والأدوات المطبخية. يقول بلهجة كردية إنّه يتعجب من كون السلة سليمة، فقد كان يضعها في سيارته مع أغراض وأوراق شخصية أخرى. عثر عليها بين ركام منزله المهدم بالكامل. يقول إنّه لم يخسر أيّاً من أفراد عائلته لكن لا يستطيع أن يخفي حزنه لخسارة المنزل.
أحد السكان يشكو من عدم حصول المنكوبين على الماء أو الخيم، ويقول إنّ هناك انعدام تنظيم في توزيع المساعدات، بالرغم من أنّ الجهات المعنية حملتها إليهم، فهي لا تكفي الجميع ولا تغطي الاحتياجات أساساً.
كبار السن ممن بقوا على قيد الحياة، مصرّون على تفقد المنازل واستخراج كلّ ما استطاعوا انتشاله من تحت الأنقاض بأنفسهم. يقول أسد مهرك وهو في الستين من عمره، إنّ منزله دمّر بالكامل، وزوجته في المستشفى بعد إصابتها. حاول جاهداً إخراج سيارته من موقفها لكنّ الحجارة أغلقت باب الموقف بإحكام. بالقرب منه جلست عائلة ثانية. الأم فاطمة حبيبي التي بقي ابنها تحت الركام ساعات ثم خرج حياً بإصابات بالغة، غير قادرة على التوقف عن البكاء. تقول إنّها تنام في العراء مع أبنائها الثلاثة منذ ضرب الزلزال المنطقة ليل الأحد ولم تستطع الحصول على خيمة. هي تعلم أنّ وضع كثيرين أصعب من وضعها.
في الوقت الذي تستمر فيه أعمال الإنقاذ، تنخفض آمال سكان سربل ذهاب رويداً رويداً، فكلما بقي العالقون أكثر تحت الركام كلما قلّت فرص نجاتهم. كثيرون من بينهم يفكرون بالمستقبل، فمع أنّ الحكومة وعدت بمنحهم قروضاً لإعادة إعمار منازلهم، إلا إنّهم قلقون من الفترة الزمنية التي سيبقون فيها من دون مسكن، ناهيك عن حلول فصل الشتاء في محافظة كرمانشاه، وهو ما يجعل البقاء في الحدائق ليلاً من أصعب الأمور.
اقــرأ أيضاً
حين تصل إلى مدينة كرمانشاه، غرب إيران، لن تجد ملامح واضحة لما خلفه الزلزال، لكن كلما ابتعدت عن مركزها نحو الحدود مع إقليم كردستان العراق، ستبدو الصورة أوضح.
يستغرق الوصول إلى سربل ذهاب نحو ساعتين من كرمانشاه. هي المنطقة التي دفعت الثمن الأكبر، فحصيلة القتلى فيها هي الأعلى حتى الآن، بالرغم من أنّ الزلزال ضرب مناطق عدة في إيران، كما أنّ حصتها من الأضرار والخسائر المادية هي الأكبر.
في الطريق نفسه، يسارع سائق سيارة الأجرة إلى سؤالي عما إذا كنتُ قد حضرت لتغطية زيارة الرئيس حسن روحاني إلى المناطق المنكوبة، فقد صادف وصوله إلى المدينة في التوقيت نفسه. ردّي وردّ الزملاء الآخرين كان حول اهتمامنا بتغطية ما يحصل مع المدنيين أكثر، وهو ما كان كفيلاً بمد جسر صداقة مع الرجل الذي عاش لحظة الزلزال المفجعة مع ذويه في تلك المنطقة. المدنيون هنا يشعرون أنّ على الإعلام أن يسلط الضوء على ما حصل، علّ صوتهم يصل إلى الجميع.
يتحدث السائق منتظري عمّا حصل ونحن في طريقنا إلى سربل ذهاب. يقول إنّ كرمانشاه اهتزت طوال عشرين ثانية تقريباً، وبأنّ سربل ذهاب بقيت تهتز أكثر من ثلاث دقائق. يشير إلى أنّ هزة أخف استبقت الزلزال المفجع، فأخرجت كثراً من بيوتهم قبل وقوع الكارثة الكبرى، وهو ما جعل عدد الضحايا أقل بحسب رأيه.
في الطريق الذي تحده جبال شاهقة صعبة التضاريس من كلّ جانب، تعبر سيارات عديدة للشرطة وفرق الإغاثة، وإلى جانبها تمر سيارات لمواطنين يقصدون سربل ذهاب أيضاً، للاطمئنان على ذويهم أو لإيصال المعونات إلى المنكوبين، أو حتى لتعزية من فقدوا أقارب لهم، وهو ما يتضح من الملابس السوداء التي يرتدونها.
مع اقترابنا أكثر تختلف طبيعة الجبال القاسية، وتظهر عليها أشجار متناثرة، فسربل ذهاب قريبة من السليمانية في كردستان العراق، ويسكنها أكراد إيران. قبل الوصول إلى وجهتنا نمرّ بمدينة إسلام أباد غرب، التي يعيش سكانها لحظات صعبة كذلك، وفي ميدانها الرئيس ينتشر الباعة الجوالون يحملون مياهاً وفاكهة، وملابس شتوية ثقيلة، وهو ما قد يؤشر إلى أنّ المعونات وحدها لا تكفي.
مع دخولنا إلى المدينة، نلاحظ الازدحام المروري. كثر يعبرون بسياراتهم يحاولون الحصول على المساعدات لذويهم ممن يجلسون في خيم الإيواء بانتظارهم. أما الخيم فتنتشر في الحدائق العامة وعلى أطراف الطرقات، وبعيداً عن المساكن المتهالكة. وبالرغم من الأضرار الشديدة الملحوظة من كلّ صوب، لكنّ سربل ذهاب كانت مدينة ذات وضع اقتصادي جيد نسبياً علماً أنّ غالبية سكانها تعمل في الزراعة.
المحطة الأولى في حي سكني لا يتجاوز عدد طوابق مبانيه ثلاثة. هناك سقط الركام على سيارات تركت مكانها في منطقة تحولت إلى مدينة أشباح، فسكانها هجروها لأنّ المنازل مهدمة، أو لأنّها مشققة الجدران. في حي ثانٍ قريب اسمه فولادي، وهو أقدم، تعمل الجرافات وفرق الإنقاذ على انتشال عالقين. معظم من يقدمون هذه المساعدات هم من الجيش الإيراني. يخرج هؤلاء ما استطاعوا من أدوات المنزل غير المتضررة لإعطائها لأصحابها ممن يتوافدون إلى المنطقة بين الحين والآخر.
يخرج الخمسيني أبادي من زقاق تتراكم فيه الحجارة وهو يحمل سلة فيها بعض الخضار والأدوات المطبخية. يقول بلهجة كردية إنّه يتعجب من كون السلة سليمة، فقد كان يضعها في سيارته مع أغراض وأوراق شخصية أخرى. عثر عليها بين ركام منزله المهدم بالكامل. يقول إنّه لم يخسر أيّاً من أفراد عائلته لكن لا يستطيع أن يخفي حزنه لخسارة المنزل.
أحد السكان يشكو من عدم حصول المنكوبين على الماء أو الخيم، ويقول إنّ هناك انعدام تنظيم في توزيع المساعدات، بالرغم من أنّ الجهات المعنية حملتها إليهم، فهي لا تكفي الجميع ولا تغطي الاحتياجات أساساً.
كبار السن ممن بقوا على قيد الحياة، مصرّون على تفقد المنازل واستخراج كلّ ما استطاعوا انتشاله من تحت الأنقاض بأنفسهم. يقول أسد مهرك وهو في الستين من عمره، إنّ منزله دمّر بالكامل، وزوجته في المستشفى بعد إصابتها. حاول جاهداً إخراج سيارته من موقفها لكنّ الحجارة أغلقت باب الموقف بإحكام. بالقرب منه جلست عائلة ثانية. الأم فاطمة حبيبي التي بقي ابنها تحت الركام ساعات ثم خرج حياً بإصابات بالغة، غير قادرة على التوقف عن البكاء. تقول إنّها تنام في العراء مع أبنائها الثلاثة منذ ضرب الزلزال المنطقة ليل الأحد ولم تستطع الحصول على خيمة. هي تعلم أنّ وضع كثيرين أصعب من وضعها.
في الوقت الذي تستمر فيه أعمال الإنقاذ، تنخفض آمال سكان سربل ذهاب رويداً رويداً، فكلما بقي العالقون أكثر تحت الركام كلما قلّت فرص نجاتهم. كثيرون من بينهم يفكرون بالمستقبل، فمع أنّ الحكومة وعدت بمنحهم قروضاً لإعادة إعمار منازلهم، إلا إنّهم قلقون من الفترة الزمنية التي سيبقون فيها من دون مسكن، ناهيك عن حلول فصل الشتاء في محافظة كرمانشاه، وهو ما يجعل البقاء في الحدائق ليلاً من أصعب الأمور.