هشام المشيشي… رئيس حكومة لا يحسد على موقعه

03 اغسطس 2020
يجد رئيس الحكومة المكلف نفسه أمام وضع غير مريح (الأناضول)
+ الخط -

سقطت لائحة سحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي وبقي رئيس حركة "النهضة" على رأس البرلمان، لكن المعركة بينه وبين خصومه لا تزال متواصلة ومفتوحة على احتمالات متعددة. لقد اتسعت رقعة هؤلاء. كانوا في البداية يقتصرون على كتلة رئيسة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسي، التي لا يتجاوز عدد أعضائها في البرلمان 16 نائباً، لكنهم، يوم الخميس الماضي، بلغوا 97 عضواً، أي حوالي نصف تركيبة مجلس النواب. كانت النتيجة النهائية انتصاراً رمزياً لحركة "النهضة"، لكنه صعب وممزوج بشيء من المرارة وعدم الارتياح. صحيح أنّ الديمقراطية تسمح بالفوز استناداً إلى فارق بمقعد واحد، لكن عندما تتسع جبهة الرفض ضد طرف ما بنسق سريع، فعليه أن يدرك أنّ فيه خللاً ما قد يؤدي إلى انقلاب موازين القوى في زمن قريب.
يعلم الجميع أنّ اليد التي امتدت لإنقاذ الغنوشي هي يد رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، الذي سبق لزعيم حركة "النهضة" أن هاجمه بقوة عندما كان في السجن، وأعلن أن الحركة لن تتحالف مع "الفاسدين". في أشهر قليلة، تغيّرت تضاريس الخريطة الحزبية ليصبح القروي الرقم الصعب الذي يلجأ إليه الحزب الأول في البلاد من أجل إنقاذه من تكاثر الخصوم ضده. وبما أنه في السياسة لا تقدم أي خدمة إلا بمقابل، فعلى "النهضة" أن تستعدّ لمواصلة المشوار مع حزب "قلب تونس"، وأن تستجيب لبعض مطالبه المحتملة. غاب الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بوزنه وقدراته وتاريخه وغابت معه استراتيجية التوافق، فاستند الغنوشي إلى قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".


كشفت التطورات المتلاحقة أنّ "قلب تونس" ليس رقماً هيناً

كشفت التطورات المتلاحقة في المشهد السياسي أنّ "قلب تونس" ليس رقماً هيناً. إذ سبق له أن ساعد في إسقاط حكومة الحبيب الجملي، ثمّ نجح في إقناع "النهضة" بدفع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ نحو الاستقالة. واليوم يقف الحزبان في وجه الرئيس قيس سعيّد، الذي لم يخف رفضه لهما ورغبته في تهميشهما، كما أنه يرى فيهما نموذجين للتأكيد على فشل الأحزاب وانتهاء الحاجة إليها تاريخياً، وضرورة التعجيل بتغيير النظام السياسي حتى يحول دون أن يتمكنا من الإمساك بمفاصل الدولة. ولأنهما يدركان أنه يعمل على تحجيمهما وإخراجهما من دائرة الفعل والتأثير، فإنهما يستعدان حالياً للتنسيق بينهما إذا لزم الأمر لخوض معركة سياسية قد تطول من أجل تفويت الفرصة عليه ومنعه من الانفراد بالحكم وتقليص دور البرلمان. حركة "النهضة" مدعوة إلى القيام بتغييرات عميقة، ولعل في مقدمتها التفكير جدياً في مغادرة الغنوشي رئاسة البرلمان. هذا ما يطالب به بعض قادة الحركة، لكنهم يبحثون عن التوقيت المناسب والموقع المناسب أيضاً.

يجد رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي نفسه أمام وضع غير مريح. إذ بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، هو واقع بين قوتين متدافعتين. فمن جهة، هناك رئيس الدولة الذي لا يزال يتمتع بشعبية عالية إلى جانب تمسكه القوي بصلاحياته الدستورية، فضلاً عن أنه صاحب الفضل في تعيين المشيشي رئيساً للحكومة، وهو حالياً يتمتع أيضاً بدعم صريح وقوي من "الاتحاد العام التونسي للشغل". ومن جهة أخرى، ينتظر تكتل برلماني واسع يضم "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، معرفة تصوّر المشيشي حول طبيعة الحكومة الجديدة؛ هل ستكون حكومة تكنوقراط أم حكومة سياسية يبنيها بالتعاون مع الأحزاب الكبرى والفاعلة؟ يعلم رئيس الوزراء المكلّف أنّ إجابته عن هذا السؤال ستحدد جزءاً كبيراً من مصيره السياسي. الأيام المقبلة ستكون حاسمة في الاتجاهين.

انطلقت مشاورات تأليف الحكومة الجديدة في ظلّ أزمة ثقة عميقة بين الأحزاب، على أثر المعركة التي دارت بينها في أعقاب جلسة سحب الثقة من الغنوشي. لقد تضررت كثيراً العلاقات التي كانت تربط "النهضة" بـ"التيار الديمقراطي"، هذا الحزب الذي كان يتوقع أن يؤدي دور الجسر القادر على تيسير العلاقة بين الخصوم، لكن الأزمة الأخيرة كادت أن تعصف به.


الوضع الإقليمي والدولي لن يساعد تونس كثيراً إذا استمر غياب الاستقرار السياسي

الكرة الآن بمرمى المشيشي، وستكون مهمته صعبة ومعقدة جداً، لكنه قادر على أن يجعل من تعيينه فرصة لإخراج البلاد من الحفرة العميقة التي وقعت فيها، على الرغم من أنّ مسيرته السياسية ليست طويلة. تنتظره تحديات كبرى، اقتصادية واجتماعية، لكن الخطوة الأولى نحو السير في طريق صعب وكثير المنعرجات هو حسن اختيار عناصر الفريق الحكومي القادر على توفير الانسجام، والنجاة من التجاذبات والصراعات السياسية. كما أنّ الوضع الإقليمي والدولي لن يساعد تونس كثيراً إذا استمر غياب الاستقرار السياسي. فما يجري على الحدود التونسية شرقاً، وتحديداً في ليبيا، يثير القلق، خصوصاً أنّ جميع سفراء الدول المتدخلة في الشأن الليبي استقروا بتونس لمتابعة التطورات الميدانية الجارية على الأرض.

كذلك، فإنّ سفراء الدول الغربية الكبرى مشغولين هذه الأيام بمصير تونس التي تقترب بنسق متسارع من حالة الإفلاس. هناك خشية حقيقية من أن تنهار الدولة، وتصبح عاجزة عن حماية أمن المواطنين وتوفير حاجيات البلد. لا أحد في الداخل يملك حلولاً سحرية. لا أحد قادر بمفرده على إيقاف التدهور. جمع الفرقاء الرئيسيين حول طاولة الحوار قد يشكل سفينة النجاة. المقترح بسيط، لكن الأخذ به وتنفيذه أصبح صعباً جداً هذه الأيام.

المساهمون