15 نوفمبر 2024
هذه الحملة على رشيدة وإلهان بسبب سورية
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في الحادي عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري بنقد لاذع أطلقه سوريون، بعضهم مقيمون في الولايات المتحدة، ضد النائبتين الأميركيتين المسلمتين، رشيدة طليب وإلهان عمر. سبب الغضبة الهوجاء التي أطلقها هؤلاء زعمٌ مفاده أنهما صوتتا ضد ما يعرف بمشروع "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين" في مجلس النواب الأميركي. وقبل الاستطراد في مسألة النقد وموضوعيته أو عدمها، فإن خلفية سريعة عن الموضوع تفيدنا كثيراً في فهم حيثياته، والمشاعر الجياشة التي أثارها.
"قانون قيصر" هو مشروع قانون قدمه النائب الديمقراطي عن نيويورك، إليوت إنجل، عام 2016، وتمّ التصويت عليه ثلاث مرات في مجلس النواب، في عام 2016، ثمَّ عام 2017، وأخيراً عام 2019 وأقر في المرّات الثلاث. إلا أنه، وعلى خلاف التصويت في مجلس النواب الشهر الحالي، فإنه في عامي 2016 و2017 لم يصوّت مجلس الشيوخ الأميركي عليه. ويوم الثلاثاء الماضي، صوّت مجلس الشيوخ لصالح المشروع، وينتظر الآن أن يوقع عليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليصبح قانوناً نافذاً. وينص مشروع القانون الذي يحظى بدعم الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، على فرض عقوبات اقتصادية على النظام السوري بسبب جرائم الحرب التي يرتكبها ضد شعبه، وكذلك على الكيانات التجارية التي تتعامل معه ومع مؤسساته العسكرية والاستخباراتية، وتحديداً الإيرانية والروسية. كما ينص على عقوبات أخرى على قطاعات البنى التحتية والعسكرية والطاقة التابعة للنظام، فضلاً عن قطاعات الطيران والاتصالات السلكية واللاسلكية، وكذلك دعم ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب ضد المدنيين السوريين... إلخ.
إذاً، ضمن الإطار الموجز السابق، يستحق هذا المشروع كل الدعم، ومن حق أيِّ سوريٍّ أو
عربيٍّ أو صاحب ضمير حيٍّ أن يدين أي عضو كونغرس يصوّت ضده. ولكن هل حصل ذلك فعلاً، وهل وقفت رشيدة وإلهان في صف نظام بشار الأسد وضد محاسبته على الجرائم التي يرتكبها في حق شعبه؟ وهل كان ثمَّة ما يبرّر الشتائم العنصرية التي أطلقها بعض سوريين ضد النائبتين، مثل مطالبتهما بالعودة إلى: "مزابل" قطاع غزة والصومال، على أساس أن الأولى فلسطينية الأصل والثانية صومالية الأصل!؟
حتى نستطيع تقديم إجابة وافية وموضوعية على السؤالين السابقين، لا بد من العودة إلى الحقائق بعيداً عن التهييج والغوغائية. أولى تلك الحقائق أن رشيدة وإلهان أصبحتا عضوي كونغرس، رسمياً، في الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني 2019، بمعنى أنهما لم تكونا عضوين لتصوتا على مشروع القانون عامي 2016 و2017. ثانياً، في اليوم الذي أصبحتا فيه عضوين، أعاد النائب إنجل تقديم مشروع قانونه، وَصُوِّتَ عليه بالإجماع من الحزبين في مجلس النواب في الثاني والعشرين في الشهر نفسه، بمعنى أن رشيدة وإلهان لم تعارضاه، بل صوتتا معه. ثالثاً، أعيد تقديم مشروع القانون كملحق ضمن "قانون موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020"، والذي صوتت كل منهما ضده هذا الشهر، وهنا بيت القصيد. ولكن هل صوتتا ضد "قانون قيصر" تحديداً؟ هذا ما يحتاج شرحاً وتوضيحاً، مع أن الأصل أن السوريين المقيمين في أميركا، وأغلبهم ذوو تعليم عالٍ جداً، ينبغي أن يكونوا واعين لحقيقة ما جرى.
ببساطة ومن دون مقدمات، المشروع الذي صوت عليه مجلس النواب في الحادي عشر من هذا الشهر، وصوتت كل من رشيدة وإلهان ضده، بالإضافة إلى 48 نائباً ديمقراطياً وجمهورياً
آخرين، لم يكن مشروع "قانون قيصر" بل كان مشروع "قانون موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020". لا يمكن هنا حصر كل الأسباب التي حدت بهؤلاء لمعارضة ذلك المشروع، ولكن ما يهمنا أن نعرفه أن مشروع "قانون موازنة الدفاع" مكون من حوالي ثلاثة آلاف صفحة، ويحتوي على عشرات مشاريع القوانين الأخرى الفرعية المرتبطة به، سواء لناحية الموازنة أم مصاريفها، ومقدار الميزانية المنصوص عليها فيه حوالي 738 مليار دولار. وعادة ما يقوم الحزبان الحاكمان بتضمين مشاريع قوانين فرعية، خلافية أم لا، في مشاريع قوانين رئيسة لضمان تمريرها والمصادقة عليها كقوانين نافذة، وهذا ما جرى هنا تحديداً. المفارقة هنا أن صاحب مشروع "قانون قيصر"، النائب إنجل، نفسه صوت ضد مشروع قانون الموازنة الدفاعية الذي مررَّ مشروع قانونه المتعلق بسورية. لماذا؟ ببساطة لأن الإجراء المتبع في مجلسيِّ النواب والشيوخ الأميركيين لا يسمح لأعضائهما بالتصويت في هذه الحالات على كل ملحق في مشروع القانون الأساسي على حدة، وبالتالي، يُرغم العضو إما أن يصوت على كل المشروع، بنعم أو لا، أو بالامتناع عن التصويت. وهذا ما جرى هنا.
الديمقراطيون الذين صوتوا ضد المشروع، وأغلبهم من "التقدميين"، ومن ضمنهم رشيدة وإلهان، عارضوا زيادة ميزانية الدفاع بأكثر من 22 مليار دولار عن العام الماضي. كما أنهم عارضوا عدم نص مشروع قانون الموازنة الدفاعية صراحة على منع ترامب من استخدام أكثر من ستة مليارات دولار من ميزانية وزارة الدفاع لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، إذ ترك الأمر لمشروع قانون آخر يتعلق بالمخصصات. وثمّة أسباب أخرى دفعت هؤلاء لمعارضة
المشروع. بعضهم امتعض من عدم إلغاء مشروع القانون قرار إدارة ترامب، عام 2017، منع المتحولين جنسيا من الخدمة في الجيش. واستاء آخرون من غياب لغةٍ تمنع ترامب اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران من دون العودة إلى الكونغرس أولاً. في حين لم يعجب طرف ثالث حذف بنود من المشروع، تنص على وقف الدعم الأميركي للحرب السعودية في اليمن. وطرف رابع أغاظه أن المشروع لم يحظر استخدام وزارة الدفاع مواد كيميائية تسبب السرطان. وخامس طالب بمنع الإدارة من نقل سجناء جدد إلى معتقل غوانتنامو... إلخ. بمعنى آخر، لم يقل أي عضو جمهوري أو ديمقراطي، دع عنك رشيدة وإلهان، إنهم عارضوا مشروع قانون موازنة الدفاع بسبب "قانون قيصر".
وعلى الرغم من هذه الحقائق التي لا تقبل نقاشاً أو تشكيكاً، فقد اختار بعض الإخوة والأخوات السوريين، ويهمني منهم هنا حملة الجنسية الأميركية، أن يشنوا هجوماً بشعاً وجارحاً، بل وعنصرياً، على النائبتين المسلمتين، في حين سلم من ألسنتهم الجمهوريون والديمقراطيون الآخرون الذين صوّتوا بلا كذلك!
كتبت غير مرة، في نافذتي هنا في "العربي الجديد"، ونوافذ أخرى، بما فيها على صفحتي على "فيسبوك"، وقوفي مع ثورة الشعب السوري، وصاحب هذه السطور مطلوب أصلاً لدى نظام الأسد، استناداً إلى السجلات وكشوفات الأسماء التي سربت قبل سنتين تقريباً. كما كتبت غير مرة ضد فلسطينيين، أفراداً وفصائل، يدعمون نظام المجرم الأسد، أو يؤيدون إيران وحزب الله في جرائمهما ضد الشعب السوري، ودفعت ثمناً باهظا لذلك، سواء تطاولاً أم شتماً، كما تأثرت علاقاتي سلباً بكثيرين من حولي. وكما رفضت دوماً عنصرية قلة من الفلسطينيين (أنا فلسطيني الأصل) وتمركزهم حول كارثتهم على حساب كوارث شعوب أخرى، تعاني من مجرمين لا يقلون لؤماً عن إسرائيل، فإني لن أتردد هنا أن أدين عنصرية قلة من السوريين لا تمثل بحال النبض العروبي والإسلامي الصافي للشعب السوري الذي سطّر ملاحم من البطولة والفداء في التصدّي لعتاة الطغاة، عرباً كانوا أم عجماً. قضايانا لن تنتصر بالعنصرية وتزوير الحقائق وصناعة أعداء من بين حلفائنا، وإنْ لا ينفي هذا أن رشيدة وإلهان، كما كل واحد فينا، ليستا منزهتين عن الخطأ ولا هما فوق النقد المشروع إن استحق الأمر.
إذاً، ضمن الإطار الموجز السابق، يستحق هذا المشروع كل الدعم، ومن حق أيِّ سوريٍّ أو
حتى نستطيع تقديم إجابة وافية وموضوعية على السؤالين السابقين، لا بد من العودة إلى الحقائق بعيداً عن التهييج والغوغائية. أولى تلك الحقائق أن رشيدة وإلهان أصبحتا عضوي كونغرس، رسمياً، في الثالث من شهر يناير/ كانون الثاني 2019، بمعنى أنهما لم تكونا عضوين لتصوتا على مشروع القانون عامي 2016 و2017. ثانياً، في اليوم الذي أصبحتا فيه عضوين، أعاد النائب إنجل تقديم مشروع قانونه، وَصُوِّتَ عليه بالإجماع من الحزبين في مجلس النواب في الثاني والعشرين في الشهر نفسه، بمعنى أن رشيدة وإلهان لم تعارضاه، بل صوتتا معه. ثالثاً، أعيد تقديم مشروع القانون كملحق ضمن "قانون موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020"، والذي صوتت كل منهما ضده هذا الشهر، وهنا بيت القصيد. ولكن هل صوتتا ضد "قانون قيصر" تحديداً؟ هذا ما يحتاج شرحاً وتوضيحاً، مع أن الأصل أن السوريين المقيمين في أميركا، وأغلبهم ذوو تعليم عالٍ جداً، ينبغي أن يكونوا واعين لحقيقة ما جرى.
ببساطة ومن دون مقدمات، المشروع الذي صوت عليه مجلس النواب في الحادي عشر من هذا الشهر، وصوتت كل من رشيدة وإلهان ضده، بالإضافة إلى 48 نائباً ديمقراطياً وجمهورياً
الديمقراطيون الذين صوتوا ضد المشروع، وأغلبهم من "التقدميين"، ومن ضمنهم رشيدة وإلهان، عارضوا زيادة ميزانية الدفاع بأكثر من 22 مليار دولار عن العام الماضي. كما أنهم عارضوا عدم نص مشروع قانون الموازنة الدفاعية صراحة على منع ترامب من استخدام أكثر من ستة مليارات دولار من ميزانية وزارة الدفاع لبناء جدار على الحدود مع المكسيك، إذ ترك الأمر لمشروع قانون آخر يتعلق بالمخصصات. وثمّة أسباب أخرى دفعت هؤلاء لمعارضة
وعلى الرغم من هذه الحقائق التي لا تقبل نقاشاً أو تشكيكاً، فقد اختار بعض الإخوة والأخوات السوريين، ويهمني منهم هنا حملة الجنسية الأميركية، أن يشنوا هجوماً بشعاً وجارحاً، بل وعنصرياً، على النائبتين المسلمتين، في حين سلم من ألسنتهم الجمهوريون والديمقراطيون الآخرون الذين صوّتوا بلا كذلك!
كتبت غير مرة، في نافذتي هنا في "العربي الجديد"، ونوافذ أخرى، بما فيها على صفحتي على "فيسبوك"، وقوفي مع ثورة الشعب السوري، وصاحب هذه السطور مطلوب أصلاً لدى نظام الأسد، استناداً إلى السجلات وكشوفات الأسماء التي سربت قبل سنتين تقريباً. كما كتبت غير مرة ضد فلسطينيين، أفراداً وفصائل، يدعمون نظام المجرم الأسد، أو يؤيدون إيران وحزب الله في جرائمهما ضد الشعب السوري، ودفعت ثمناً باهظا لذلك، سواء تطاولاً أم شتماً، كما تأثرت علاقاتي سلباً بكثيرين من حولي. وكما رفضت دوماً عنصرية قلة من الفلسطينيين (أنا فلسطيني الأصل) وتمركزهم حول كارثتهم على حساب كوارث شعوب أخرى، تعاني من مجرمين لا يقلون لؤماً عن إسرائيل، فإني لن أتردد هنا أن أدين عنصرية قلة من السوريين لا تمثل بحال النبض العروبي والإسلامي الصافي للشعب السوري الذي سطّر ملاحم من البطولة والفداء في التصدّي لعتاة الطغاة، عرباً كانوا أم عجماً. قضايانا لن تنتصر بالعنصرية وتزوير الحقائق وصناعة أعداء من بين حلفائنا، وإنْ لا ينفي هذا أن رشيدة وإلهان، كما كل واحد فينا، ليستا منزهتين عن الخطأ ولا هما فوق النقد المشروع إن استحق الأمر.