هدر المياه الجوفية

06 مايو 2017
خطر على المياه الجوفية (طوني كارومبا/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد الاعتقاد أنّ المياه السطحية هي المورد الرئيس لاحتياجات العالم من المياه العذبة، فقد تأكد وفق الدراسات أنّها تشكل أقل من 3 في المائة، بينما الـ97 في المائة الباقية يختزنها باطن الأرض كمصدر رئيس يمكن استغلاله لسدّ حاجة الإنسان والحيوان والنبات.

يرجع استغلال المياه الجوفية إلي عصور بعيدة. وفي مطلع القرن الحالي ازداد الاعتماد على المياه الجوفية بشكل ملحوظ، خصوصاً مع تزايد السكان في جميع أنحاء العالم، وعدم كفاية المصادر السطحية لتغطية الاحتياجات المائية، وما حدث من تطور كبير في أدوات وآليات الوصول إلى المياه الجوفية، ليقابل ذلك جهد مضاعف في مجال الدراسات والبحوث، والتوعية بمخاطر الإفراط في استخدام هذا المورد الناضب. لكن، قد يلعب ضعف الوعي، والأطماع، والتدخلات السياسية دوراً كبيراً في الإهدار.

يقدّر ما تجمّع عبر ملايين السنين من مياه جوفية في باطن الأراضي السودانية بأكثر من 15 مليار ملم، تهدر مؤخراً بما يدعو للتدخل العاجل. فقد كشف قبل أعوام عن بيع ملايين الأفدنة في المنطقة النوبية إلى مصر لتزرعها مستغلة مخزون المياه الجوفية في جزء من الحوض النوبي الذي يشكل وحده 28 في المائة من مخزون السودان الاستراتيجي من المياه الجوفية.

والآن، يتواصل هجوم شركات عربية على مخزون المياه الجوفية من خلال قانون استثمار يسمح لها باستغلال آلاف الأفدنة و(أيّ كمية من المياه تحتاجها) لإنتاج ما لا يسهم في التنمية بشيء، عبر تسهيلات ضريبية وجمركية كبيرة تحمي المستثمر أكثر مما تحمي الأرض وإنسانها ومواردها.

بدوره، قال الخبير الاقتصادي صدقي كبلو في تصريح سابق: "لا توجد في البلاد سياسة واضحة للاستثمار الزراعي"، لافتاً إلى أنه ينبغي الاتفاق مع المستثمرين العرب على نوعية المنتج، لا أن تستغل الأرض ومخزون المياه في زراعة العلف لتصديره.

نوع آخر من الإهدار يتمثل في تلوث المياه الجوفية خصوصاً في المدن بسبب اختلاطها بمياه الصرف الصحي. وقد ظلت الجمعية السودانية لحماية المستهلك تلاحق الجهات المسؤولة، وتدون في حقها البلاغ تلو الآخر تحت نص المادتين 74 و82 من القانون الجنائي (الإهمال الذي يسبب خطراً على الناس وبيع أطعمة ومشروبات ضارة بالصحة) بالإضافة إلى المادة 30 من قانون حماية البيئة. وتستند الجمعية في ذلك على نتائج فحص صادرة عن أكبر المعامل المرجعية في السودان.

وظل المسؤولون كلما طفت قضية من هذا النوع يتأرجحون ما بين الاعتراف والإنكار، من دون أن تلوح في الأفق بادرة لحلول جذرية، ومن دون السماح بنشر المعلومات والإحصائيات واستراتيجيات التعامل مع مثل هذه القضايا ذات الأبعاد البيئية والصحية والاجتماعية.

*متخصص في شؤون البيئة

المساهمون