لكن عدداً من الإعلاميين والكتاب والصحافيين ورجال الدين الذين كان جهاز أمن الدولة قد أدرجهم على قوائم الاعتقال قد تمكنوا من الفرار إلى دول الخليج المجاورة وإلى تركيا وبريطانيا وأميركا.
وتمكن الإعلامي السعودي المعروف، جمال خاشقجي، من الخروج من السعودية، قبل بدء حملة الاعتقالات بأيام قليلة، إلى منفاه الاختياري في الولايات المتحدة الأميركية، وفي البداية أصر خاشقجي وهو الصحافي الذي بقي طوال حياته مقرباً من النظام السعودي والاستخبارات، على عدم وصفه بالمنفي، لكنه نشر بعد بدء حملة الاعتقالات مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست" قال فيه إن "السعودية باتت غير محتملة في عهد ولي العهد محمد بن سلمان، وإنه اختار مع عدد من المثقفين السعوديين الاستقرار في المنفى الاختياري خوفاً من اعتقالهم حين عودتهم إلى بلادهم".
وأضاف "هناك سبعة على الأقل منا، هل سنكون نحن نواة الشتات السعودي؟ نقضي ساعات لا نهائية على الهاتف في محاولة لفهم هذه الموجة من الاعتقالات التي شملت صديقي رجل الأعمال، عصام الزامل، الذي كان قد عاد، يوم الثلاثاء الماضي، من الولايات المتحدة، بعد أن كان عضواً في وفد سعودي رسمي، بهذه السرعة يمكنك أن تسقط من نظر القيادة في المملكة العربية السعودية، شيء مروع جداً، ولكن هذا لم يكن معتاداً في بلدي".
وعمل خاشقجي كمدير لتحرير صحيفة الوطن المقربة من الحكومة على فترتين، كما عمل مديراً لقناة العرب المملوكة للوليد بن طلال، والتي لم تبصر النور بأوامر حكومية سعودية، كما عمل كمستشار لرئيس الاستخبارات السعودية والسفير السابق للمملكة العربية السعودية في بريطانيا ثم في أميريكا الأمير تركي الفيصل.
ولم يكن خاشقجي هو الهارب الوحيد الذي تمكن من النفاد بجلده من حملة الاعتقالات التي وصفت بأنها الأكبر في تاريخ المملكة الحديث، حيث استطاع المعارض الشهير الدكتور كساب العتيبي الخروج من السعودية نحو الدوحة خوفاً من الاعتقال.
وكان كساب وهو أحد أفراد تيار الصحوة الإسلامي واسع الشعبية والنفوذ في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي قد اتجه إلى لندن، عقب حملة الاعتقالات التي شنتها الحكومة عام 1994 ضد رموز التيار نتيجة لتوقيعهم "مذكرة النصيحة"، والتي تطالب بتعديلات دستورية وسياسية ودينية.
وبعد تولي الأمير محمد بن نايف مقاليد ولاية العهد في عام 2015 عاد كسّاب العتيبي إلى تسوية توصل إليها مع الأجهزة الأمنية، لكن سلسلة الاعتقالات التي شنها محمد بن سلمان ضد مقربين من بن نايف وأطراف أخرى داخل الأسرة الحاكمة أجبرت كساب على الرحيل مرة أخرى.
ويعيش أيضاً الأكاديمي والباحث الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد في منفاه الاختياري في إسطنبول، عقب ورود اسمه في قوائم الاعتقالات الخاصة بجهاز أمن الدولة، التابع لولي العهد محمد بن سلمان.
وسبق للسلطات أن أوقفت بن سعيد عدة مرات على خلفية انتقاداته لقنوات العربية و mbc وتضامنه مع ضحايا مذبحة رابعة العدوية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومواقفه المؤيدة للمقاومة الفلسطينية ورفض التطبيع مع إسرائيل.
كما استطاع الشيخ عبدالرحمن دمشقية وهو رجل دين وباحث لبناني، كان مقرباً من أجهزة الدولة السعودية الأمنية في عهد وزير الداخلية الأسبق نايف بن عبدالعزيز وابنه محمد، الفرار من السعودية متجهاً إلى لندن، حيث يملك إقامة دائمة في الأراضي البريطانية عقب ورود اسمه على قوائم الاعتقال، كما استطاع رجل دين سوري يعمل كإمام مسجد الفرار نحو الكويت كونه يمتلك إقامة صالحة في الكويت والسعودية.
وقال الإمام الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه خوفاً على عائلته لـ"العربي الجديد": "ليس لي أي نشاط سياسي، وأعمل كإمام مسجد في بلدة ليست بالكبيرة وتبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة الرياض، وأنا سعودي أكثر من السعوديين أنفسهم إذ لم ير أبنائي بلدهم الأصلي في حياتهم، وأنا لم أزره منذ 35 عاماً خوفاً من نظام آل الأسد".
وأضاف "عند بدء الاعتقالات جاءتني ورقة إعفاء من وظيفتي فتيقنت أنهم قادمون إلي لا محالة، وقمت بالذهاب نحو الكويت بعد توديع أبنائي حيث أملك هناك إقامة أجددها كل سنة، لكن الأمر بات مخيفاً بالسعودية إذ إن كل شخص يملك ذقناً ويقصر ثوبه فهو عرضة للاعتقال أو الإيقاف".
ودعمت السلطات السعودية ولفترات طويلة جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها تيار الصحوة، كما استقطبت عدداً كبيراً من رجال الدين السوريين والمصريين المعارضين لأنظمتهم وقامت بتجنيس بعضهم، لكن تغيير محمد بن سلمان لسياساته الخارجية وتقاربه مع أبوظبي أخيراً أدى لتحول شمل سجن العشرات من التيار الذي يُنظر له على أنه الكيان الوحيد القادر على الوقوف في طريقه الساعي إلى رؤية 2030، والتي تهدف إلى خصخصة القطاعات العامة بما فيها شركة أرامكو النفطية، وفرض ضرائب على الشعب السعودي وتحويل الاقتصاد إلى شكل نيوليبرالي.