تنطبق أغنية "قالوا العذاب مشوار" التي غناها الفنان الراحل نهاد طربيه (1950) على حياته في كلماتها وألحانها. ابن بلدة صوفر، المصيف اللبناني الأخاذ، عشق الفن وهو في الخامسة من عمره. لم يكن مشوار نهاد طربيه مغمساً بالراحة، أو النجومية الكبيرة التي حظي بها أبناء جيله من الفنانين اللبنانيين. في ثلاثينه داهمه مرض "السُكري" فجعله أسيراً لهذا الداء الصامت، لكنه استغل الفرص التي سنحت له الظروف باستغلالها وعمل بجهد كبير، حتى استحق مكانة رفيعة في مصاف "النجوم" اللبنانيين.
عاش نهاد طربيه "ثقافات" عدة، وهي ما صبغت وجهة سيره في دنيا الغناء، من المنزل عُرف والده بشعره، وشغفه بالموسيقى، إلى المدرسة وتتلمذه على يد الأب يوسف الخوري، ثم التحاقه بفريق كورال كان يديره الفنان اللبناني الراحل زكي ناصيف.
في الخامسة، بدأ نهاد طربيه، يدندن أغنيات الموسيقار الراحل فريد الأطرش، لكنه لم يحصر صوته ولا موهبته في أسلوب وألحان فريد الأطرش، لم يكن مقلداً له أو مستنسخًا "لحالة" الأطرش الذي تقمصه بعضهم فانحصروا في العباءة، من دون تقدم يُذكر.
حمل نهاد طربيه، إضافة إلى فرادة صوته، تقنية خاصة في أدائه، المتنوع، وقدم أكثر من 300 أغنية طاف بها بين بيروت وباريس ثم القاهرة، مختتماً أول من أمس رحلة فنية امتدت حوالي 35 عاماً بعدما وافته المنية في باريس خارجاً من مطار شارل ديغول إثر نوبة قلبية.
عُرف نهاد طربيه بصوت هادئ، رصين، مطواع. بعد رحلة القرية والمدرسة نزح أهله إلى بيروت، وعاد للموسيقى في مدرسة "البر والإحسان" منطقة الطريق الجديدة في بيروت، تحت إشراف الأستاذ عفيف حنكش، الذي توقع له مستقبلاً فنيًا زاهراً. بعدها حمله والده إلى منزل الفنان الراحل وديع الصافي، الذي أمده بجرعة إضافية من التشجيع، حتى تقدم إلى برنامج "استديو الفن" للمخرج سيمون أسمر، الذي عرف كيف يوظف هذه الموهبة، ويستغلها، على التلفزيون. أعجب الناس بصوت نهاد طربيه، وبدأ يحيي الحفلات تباعاً بدءاً من مكان إقامته في منطقة الحازمية، ومناطق أخرى قبل أن تنطلق شرارة الحرب اللبنانية. وهو كما كل الفنانين اللبنانيين الذين هاجروا وقتها، غادر إلى العاصمة الفرنسية، وهناك وقفت إلى جانبه الفنانة الراحلة صباح، وطلبت من المتعهدين والمنتجين مساعدة ذلك الشاب بكل ما استطاعوا.
يتذكر نهاد طربيه موقف صباح، الداعم، ولهفتها لمساعدته في باريس، وكيف عرفّته إلى أصحاب المطاعم ومتعهدي الحفلات. ويقول في حديث لم ينشر، "لا أنسى فضل السيدة صباح، أبداً، كانت تتصل بي إلى باريس بصورة متقطعة قبل رحيلها وتطمئن إلى صحتي، وتوصيني بأن أنتبه من السُكري".
بعد فترة الحرب، والعمل في فرنسا، أطلق نهاد طربيه أغنية "بدنا نتجوز عالعيد" التي لحنها صدفة الموسيقار الراحل جورج يزبك، في الطائرة وهو في طريق العودة إلى بيروت برفقة نهاد طربيه، وسُجلت بتوجيهات الموسيقي الراحل رفيق حبيقة، وحققت نجاحاً كبيراً في فترة الحرب، حتى اليوم، وأصبحت بحسب نهاد طربيه، الأغنية التي كرست حضوره كنجم لبناني. ولا ينسى طربيه وقتها، موال "أنا لبناني" الذي كتبه له الشاعر الراحل الياس ناصر، فطَبَعَ في أذهان الجمهور اللبناني المقيم والمغترب الحنين إلى الوطن في عز الحرب.
لم يكتف طربيه بتجارب النجاح اللبناني. بين باريس التي أصبحت مكان إقامته، وبيروت التي لم يفارقها طويلاً إلا في السنوات الأخيرة، عرج إلى القاهرة في الثمانينيات، وهناك، كانت متعته الحقيقية بحسب ما يُخبر، في "قاهرة فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، أصبحت نهاد الآخر، التقيت بموسيقار الجيل محمد عبد الوهاب، منحني الثقة بعد وديع الصافي وآخرين، وسمح لي بإعادة تسجيل رائعته "قلبي بقللي كلام" التي أصدرتها لاحقاً في ألبوم حمل اسمها. تأثرت بعبد الوهاب، وجمعتنا صفات مطابقة في الشخصية والميول الموسيقية، والرؤى الفنية، بعدها كان لقائي بالموسيقار الراحل بليغ حمدي الذي كانت تشغله الحياة، ووضعه الصحي غير المستقر، لكنني نهاد طربيه، استرقت منه مجموعة من الألحان التي لاقت نجاحًا كبيراً يومها".
ويضيف: "القمر مسافر أعتبرها واحدة من أفضل الأغاني التي قدمتها للجمهور وبعدها كانت المشكلة الكبيرة في أغنية "حبيبي". سنوات من الانتظار لم تسمح للموسيقار بليغ حمدي بالانتهاء من لحنها، كل ما كان في جعبتي من هذا اللحن هو تسجيل موسيقي على العود بصوت الموسيقار الراحل لهذه الأغنية التي حاول الانتهاء منها لكن قدر الله كان سباقًا، حتى سجلتها بتوزيع موسيقي لم ينل من "نفس" بليغ في الموسيقى والمقدمة ولا حتى اللحن، بشكل عام".
في السنوات الأخيرة، غاب نهاد طربيه عن الأضواء، صحته لم تكن على ما يرام، زيارات قليلة كان يقوم بها إلى بيروت، منها مشاركته في تكريم الموسيقار الراحل فريد الأطرش في الأونيسكو 2015 ، ثم مشاركته في إعادة تسجيل أغنية "يا أميرة" مع الفنان الشاب وليد عوض وإطلاقها كدويتو لم يلق الصدى الإيجابي، وعزمه على إصدار ألبوم جديد تحدث عنه لكن القدر كان سباقاً فرحل الفنان صاحب الصوت النادر، الذي عُرف بالرقي ودماثة أخلاقه.
اقــرأ أيضاً
في الخامسة، بدأ نهاد طربيه، يدندن أغنيات الموسيقار الراحل فريد الأطرش، لكنه لم يحصر صوته ولا موهبته في أسلوب وألحان فريد الأطرش، لم يكن مقلداً له أو مستنسخًا "لحالة" الأطرش الذي تقمصه بعضهم فانحصروا في العباءة، من دون تقدم يُذكر.
حمل نهاد طربيه، إضافة إلى فرادة صوته، تقنية خاصة في أدائه، المتنوع، وقدم أكثر من 300 أغنية طاف بها بين بيروت وباريس ثم القاهرة، مختتماً أول من أمس رحلة فنية امتدت حوالي 35 عاماً بعدما وافته المنية في باريس خارجاً من مطار شارل ديغول إثر نوبة قلبية.
عُرف نهاد طربيه بصوت هادئ، رصين، مطواع. بعد رحلة القرية والمدرسة نزح أهله إلى بيروت، وعاد للموسيقى في مدرسة "البر والإحسان" منطقة الطريق الجديدة في بيروت، تحت إشراف الأستاذ عفيف حنكش، الذي توقع له مستقبلاً فنيًا زاهراً. بعدها حمله والده إلى منزل الفنان الراحل وديع الصافي، الذي أمده بجرعة إضافية من التشجيع، حتى تقدم إلى برنامج "استديو الفن" للمخرج سيمون أسمر، الذي عرف كيف يوظف هذه الموهبة، ويستغلها، على التلفزيون. أعجب الناس بصوت نهاد طربيه، وبدأ يحيي الحفلات تباعاً بدءاً من مكان إقامته في منطقة الحازمية، ومناطق أخرى قبل أن تنطلق شرارة الحرب اللبنانية. وهو كما كل الفنانين اللبنانيين الذين هاجروا وقتها، غادر إلى العاصمة الفرنسية، وهناك وقفت إلى جانبه الفنانة الراحلة صباح، وطلبت من المتعهدين والمنتجين مساعدة ذلك الشاب بكل ما استطاعوا.
يتذكر نهاد طربيه موقف صباح، الداعم، ولهفتها لمساعدته في باريس، وكيف عرفّته إلى أصحاب المطاعم ومتعهدي الحفلات. ويقول في حديث لم ينشر، "لا أنسى فضل السيدة صباح، أبداً، كانت تتصل بي إلى باريس بصورة متقطعة قبل رحيلها وتطمئن إلى صحتي، وتوصيني بأن أنتبه من السُكري".
بعد فترة الحرب، والعمل في فرنسا، أطلق نهاد طربيه أغنية "بدنا نتجوز عالعيد" التي لحنها صدفة الموسيقار الراحل جورج يزبك، في الطائرة وهو في طريق العودة إلى بيروت برفقة نهاد طربيه، وسُجلت بتوجيهات الموسيقي الراحل رفيق حبيقة، وحققت نجاحاً كبيراً في فترة الحرب، حتى اليوم، وأصبحت بحسب نهاد طربيه، الأغنية التي كرست حضوره كنجم لبناني. ولا ينسى طربيه وقتها، موال "أنا لبناني" الذي كتبه له الشاعر الراحل الياس ناصر، فطَبَعَ في أذهان الجمهور اللبناني المقيم والمغترب الحنين إلى الوطن في عز الحرب.
لم يكتف طربيه بتجارب النجاح اللبناني. بين باريس التي أصبحت مكان إقامته، وبيروت التي لم يفارقها طويلاً إلا في السنوات الأخيرة، عرج إلى القاهرة في الثمانينيات، وهناك، كانت متعته الحقيقية بحسب ما يُخبر، في "قاهرة فريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، أصبحت نهاد الآخر، التقيت بموسيقار الجيل محمد عبد الوهاب، منحني الثقة بعد وديع الصافي وآخرين، وسمح لي بإعادة تسجيل رائعته "قلبي بقللي كلام" التي أصدرتها لاحقاً في ألبوم حمل اسمها. تأثرت بعبد الوهاب، وجمعتنا صفات مطابقة في الشخصية والميول الموسيقية، والرؤى الفنية، بعدها كان لقائي بالموسيقار الراحل بليغ حمدي الذي كانت تشغله الحياة، ووضعه الصحي غير المستقر، لكنني نهاد طربيه، استرقت منه مجموعة من الألحان التي لاقت نجاحًا كبيراً يومها".
ويضيف: "القمر مسافر أعتبرها واحدة من أفضل الأغاني التي قدمتها للجمهور وبعدها كانت المشكلة الكبيرة في أغنية "حبيبي". سنوات من الانتظار لم تسمح للموسيقار بليغ حمدي بالانتهاء من لحنها، كل ما كان في جعبتي من هذا اللحن هو تسجيل موسيقي على العود بصوت الموسيقار الراحل لهذه الأغنية التي حاول الانتهاء منها لكن قدر الله كان سباقًا، حتى سجلتها بتوزيع موسيقي لم ينل من "نفس" بليغ في الموسيقى والمقدمة ولا حتى اللحن، بشكل عام".
في السنوات الأخيرة، غاب نهاد طربيه عن الأضواء، صحته لم تكن على ما يرام، زيارات قليلة كان يقوم بها إلى بيروت، منها مشاركته في تكريم الموسيقار الراحل فريد الأطرش في الأونيسكو 2015 ، ثم مشاركته في إعادة تسجيل أغنية "يا أميرة" مع الفنان الشاب وليد عوض وإطلاقها كدويتو لم يلق الصدى الإيجابي، وعزمه على إصدار ألبوم جديد تحدث عنه لكن القدر كان سباقاً فرحل الفنان صاحب الصوت النادر، الذي عُرف بالرقي ودماثة أخلاقه.