وخلال ندوة نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، أمس السبت، بعنوان "قرار نقل السفارة الأميركية ووضع القدس القانوني والسياسي"، رأى مدير دائرة الخرائط ونظم المعلومات الجغرافية في بيت الشرق، خليل تفكجي، أن الضمانات الأميركية التي أعطيت لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، تقضي بأن الحقائق على الأرض باتت هي التي ترسم ملامح سياسة الحكومة الحالية، الممثلة بأقصى اليمين في الحكومة والبلدية الإسرائيليتين، التي تهدف إلى اقتلاع السكان وإحلال المستوطنين، وتغيير المعالم التاريخية العمرانية والثقافية وإقحام المشهد العبري، باعتبار أن القدس هي العاصمة الأبدية والمركز الحضاري والثقافي للشعب اليهودي. ويخلص الباحث إلى أن سلطات الاحتلال خلقت واقعاً سياسياً وديمغرافياً جديداً في القدس "على حساب الجغرافيا الفلسطينية من خلال مصادرة الأراضي وبناء المستعمرات، وبناء مناطق خضراء، وتنفيذ سياسة هدم البيوت، ورفض منح تراخيص البناء. وقد أدت هذه الانتهاكات بحق الفلسطينيين إلى خلق خلل ديمغرافي، يُستخدم وسيلة للضغط في أيّ مفاوضات ضد الطرف الفلسطيني، لإنجاز اتفاقيات تخدم المصالح الإسرائيلية".
وحول تحديات القانون الدولي للاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، قدم المحامي أنيس قاسم مداخلة أكد فيها أن القرار الأميركي مخالف لمبدأين من مبادئ القانون الدولي، أحدهما المبدأ القانوني الذي يجرّم اكتساب أراضي الغير بالقوة، وعلى أساس هذا المبدأ تمّت صياغة القرار الأممي رقم 242 الذي أصبح دليلاً للحل السياسي لكل دول المنطقة. أما المبدأ القانوني الثاني فهو أن الرئيس الأميركي يقول إن لإسرائيل، كدولة ذات سيادة، الحق في تقرير مكان عاصمتها، وهذا قول غير دقيق، ذلك أنه ليس لأي دولة أن تشرّع ما تريد من قوانين، بل يجب أن تكون القوانين متفقة وأحكام القانون الدولي، حتى يتم الاعتراف بها واحترامها.
كذلك ناقشت الدراسة إشكاليتين رئيسيتين من منظور القانون الدولي. فالإشكالية الأولى، متمثّلة بأنّ الاعتراف بالقدس لا يعرِّف بدقة أيّ "قدس"، لا سيما أن إسرائيل ضمت إلى القدس الشرقية بعد عام 1967 عشرة أضعاف مساحتها من أراضي الضفة الغربية التي هي ذاتها أراضٍ محتلة. أما الإشكالية الثانية، فهي تتعلّق بخلط السياسي بالأسطورة الدينية حين يعترف الرئيس بـ "الشعب اليهودي"، مخالفاً بذلك موقفاً رسمياً أميركياً معلناً منذ عام 1964.
جرائم حرب
أما المحامية المتخصّصة بالقانون الجنائي، سلمى كرمي أيوب، فناقشت "توصيف السياسات الإسرائيلية بالقدس على أنها جرائم حرب"، لافتة إلى أن هذه السياسة ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية متمثلة في الاضطهاد، وأنها من المرجّح أن ترقى، أيضاً، إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية متمثلة بالفصل العنصري. وسعت الدراسة، التي قدمها الحقوقي المتخصص في قضايا الاستيطان وحقوق الفلسطينيين، علاء محاجنة، لتناول الأدوات القانونية التي تستغلها إسرائيل للسيطرة على القدس وتغيير طابعها الديمغرافي والمكاني، وذلك من خلال قراءة وتحليل لأهم هذه القوانين، لا سيما بعد قرار ترامب المتمثّل بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو قرار يُعدّ بمنزلة إقرار بالممارسات الإسرائيلية في المدينة منذ عام 1948 وشرعنتها، على حد تعبير محاجنة. ويخلص محاجنة إلى أن مواجهة مشروع تهويد القدس، وإعلان ترامب بوصفه جزءاً منه، أمر يقتضي صياغة مشروع مضاد، واستراتيجية واضحة ذات أبعاد مختلفة على المستويين الرسمي والشعبي، يكون هدفها الأساسي تعزيز صمود أهل القدس في وجه السياسات والممارسات الإسرائيلية.
سياسة ديمغرافية
أما أستاذ التخطيط والجغرافيا الحضرية في جامعة حيفا، راسم خمايسي، فقدم وصفاً وتحليلاً نقدياً لما يمارسه الاحتلال الإسرائيلي بهدف إحداث التغييرات الديمغرافية والحضرية الفلسطينية في القدس، موضحاً أن الاحتلال يطبق "مصفوفة الضبط الذكية" بهدف إحداث التغيير الديمغرافي، على جبهتين: مع واقع الإنسان الفلسطيني المقدسي ومكانه، ومع الأرض والحيز الفلسطيني ومكوناته الحضرية من جهة، ومع المؤسسات الفلسطينية الناظمة والموجّهة لتنمية الفرد والمجتمع الفلسطينيَين في القدس من جهة ثانية. وتطرق خمايسي إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه القدس الشرقية وسياساته الديمغرافية والجغرافية التخطيطية والحضرية التي تهدف إلى إحكام السيطرة الإسرائيلية على المدينة وعبرنتها، معتبراً أنّ هذه السياسات لا تتميز إسرائيل في تطبيقها في القدس، بل إنها تمارسها في الأراضي الفلسطينية المجزأة، وهي سياسات تفرضها إسرائيل بالقوة، أو بموجب اتفاقيات مفروضة بظرفية ما، غير آبهة بتأمين مصالح الطرف الفلسطيني والعربي، وذلك في مقابل الطرف الإسرائيلي المدعوم على نحو مباشر، وغير مباشر، من أطراف دولية ذات نفوذ.
السياسات الحضرية
بدوره، قدم أستاذ التخطيط المدني في معهد "غران ساسو" للعلوم، فرانشيسكو كيودلي، لمحة عامة عن السياسات الحضرية الرئيسية التي نفّذتها السلطات الإسرائيلية في القدس الشرقية خلال العقود الخمسة الماضية. وتناول عمليتين بصورة خاصة، الأولى هي التوسّع اليهودي في القدس الشرقية، الذي تعزّزه إسرائيل، على نحو أساسي، من خلال بناء مجموعة من الأحياء السكنية. والثانية هي احتواء التوسّع الحضري والديمغرافي الفلسطيني وفقاً لخطط وسياسات وقوانين حضرية. أما نتيجة هاتين العمليتين المتزامنتين، فهي نشوء مدينة ثنائية، لكنها، من الناحية الفعلية، غير قابلة للتجزئة.
التعبئة في القدس
وقدمت الباحثة في "المركز العربي"، دانا الكرد، دراسة تناولت فيها أنماط التعبئة الفلسطينية في القدس ودور السلطة الفلسطينية. وأشارت إلى ثلاث فترات زمنية مختلفة لموضوع التعبئة في القدس، وقارنت بين أنماط التعبئة في القدس قبل نشوء السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، وفي الفترة التي تلت أوسلو، والفترة التي أعقبت الانتفاضة الثانية في عام 2000، لتكشف كيفية تبدّل العمل الجمعي في القدس مع تشكّل قيادة السلطة الفلسطينية وبناء مؤسساتها، وفي الفترة التي شهدت تفكّكها. ورأت الباحثة أن السلطة الفلسطينية تركت آثاراً وخيمة في التماسك الاجتماعي بعد فترة أوسلو. وأوضحت كيفية قضاء مؤسسات السلطة الفلسطينية على الروابط الاجتماعية، ثمّ إنّ الفلسطينيين، بعد الانتفاضة الثانية وانسحاب السلطة الفلسطينية من القدس، شرعوا في إعادة اللحمة إلى التماسك الاجتماعي في العاصمة، على الرغم من القمع الإسرائيلي. ولهذا السبب، يبدو العمل الجَمعي في القدس مختلفاً جداً عن العمل في بقية الضفة الغربية.